دراسة أصولية تطبيقية في تخصيص عموم القرآن الكريم بخبر الواحد

الملخص AR

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب تبصرة و ذكرى لأولي الألباب و جعل الحمد فاتحة أسراره و خاتمة أقداره و أصلي و أسلم على خاتم رسله و أكرم خلقه سيدنا محمد – صلي الله عليه و سلم – الذي أرسله الله – تعالى – بالقرآن فدعا به على بصيرة فكان سببا في هداية الناس إلى الطريق المستقيم و المنهج القويم آملين من المولى أن يدخلهم جنات النعيم قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.

.

.

) ( من الآية 153 الأنعام) (وتمت كلمة ربك صدقا و عدلا لا مبدل لكلماته.

.

.

) (من الآية 115 الأنعام ).

أما بعد: فإن الاشتغال بالعلم و العكوف عليه و الاهتمام به من علامات السعادة و دلائل النجابة لاسيما إذا أوصلنا بالله و قبلنا من رضاه وحال بيننا و بين غضبه و سوء عقابه.

و إن من أفضل العلوم الشرعية شأنا و أعلاها قدرا و أجلها نفعا و أكثرها بركة علم أصول الفقه إذا بهذا العلم يمكن معرفة الحلال و الحرام من خلال الأوامر و النواهي و كذلك معرفة الخبيث من الطيب و الصحيح من الفاسد و معرفة الأحكام و فهمها و دراسة دلالات الألفاظ و النسخ و العموم و الخصوص وغيرها من المباحث الأصولية يجعل المكلف على بصيرة من أمر دينه فلا يفتى و لا يعمل إلا بما يحقق له الوصول إلى الله – تعالى – حتى تطمئن نفسه بحق سالكا بذلك طريق العلماء الصالحين المهتدين.

هذا: فكان الاشتغال بهذا العلم من أفضل ما قضيت فيه الأوقات و فنيت من أجله الأعمار و إن من أجل العلوم العلم بكتاب الله – تعالى – وسنة نبيه – ص – و علم أصول الفقه متصل بهذه العلوم اتصالا وثيقا لا غنى عنه لأنه علم يجمع بين العقل و النقل.

و من المعلوم عند الأصوليين أن العموم يتناول النص النبوي الكريم كما يتناول النص القرآني الحكيم وقد نقل عن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – تعالى – قوله: لم نكن نعرف العموم و الخصوص حتى ورد علينا الشافعي – رحمه الله تعالى -.

و العموم يدل على أن النص القرآني الذي ورد فيه اللفظ العام يشمل جميع مدلولاته في كافة الأزمنة و الأمكنة وقد رأى العلماء أن معظم ما ورد من عموم في الأدلة الشرعية قد ورد عليه ما يخصصه من المخصصات المتصلة و المنفصلة المستقلة.

و يعد مبحث العام من المباحث المهمة في علم الأصول وله مكانة عظيمة مما جعل العلماء يهتمون به و يتناولونه بالبحث وذلك لأنه يعطي صورة واضحة للمجتهد حول شمول الأحكام للأفراد التي وردت في النص العام و لكن هذا العام منه ما أريد به الخصوص و منه ما بقي على عمومه فلا يقبل التخصيص و منه ما جاء خاليا عن القرينة التي تدل على إرادة العموم أو إرادة الخصوص و هو الذي حصل فيه خلاف بين الأصوليين حول جواز تخصيصه من عدمه بالنص الظني.

هذا: وقد ذكر بعض العلماء أن من أهم المسائل الأصولية المختلف فيها بين الأصوليين و خاصة الجمهور و الحنفية و التي كان لها أثرا كبيرا في اختلافهم في كثير من الفروع الفقهية [ مسألة: تخصيص عموم القرآن الكريم بخبر الواحد].

و لذا كان هذا موضوع بحثي المتواضع محاولا من خلاله إبراز مذاهب العلماء و تبرير اختلافهم بصورة مبسطة واضحة رافعا الملام عن العلماء في عصر تطاول فيه المتفيقهون و اصحاب الهوى و القلوب و العقول المنغلقة و الأفق الضيق على الأئمة السادات – رضي الله عنهم أجمعين – مذيلا البحث – بإذن الله – تعالي – بتطبيقات فقهية عملية توضح حقيقة هذا الاختلاف مراعيا – قدر جهدي – تنسيق مادة البحث و عرضها بشكل يساعد على استيعابها و فهمها بسهولة و يسر.

و سيتضح الأمر من خلال بحثي هذا – المتواضع – أن العلماء متفقون جميعا على العمل بعام القرآن الكريم و بقاءه على عمومه ما لم يظهر المخصص كما أنهم متفقون أيضا على العمل بخبر الواحد المستوفي بشروط الصحة ما لم يظهر معارض بيد أن الخلاف يظهر بينهم في حالة وجود معارضة بين هذين الدليليين وذلك في جواز و صلاحية خبر الواحد في تخصيصه لعموم القرآن الكريم و إن كانت حقيقة الأمر أن الاختلاف الناتج بين العلماء في هذه المسألة ناتج في الاصل عن اختلافهم في مفهوم التخصيص و طبيعته لاختلاف نظرة كل فريق و سأبين ذلك أثناء الكتابة – بإذن الله – تعالى.

و الله المستعان.