المصالح المرسلة و حقيقة الخلاف في العمل بها

الملخص AR

اللهم! يا معلم إبراهيم علمنا و يا مفهم سليمان فهمنا و يا مؤتي داوود الحكمة آتنا الحكمة و فصل الخطاب.

أما بعد: فإن الفقه الإسلامي في جملته قائم على اعتبار المصالح فكل ما يحقق مصلحة غالبة فهو مطلـوب وكل ما يحقق مفسدة فهو منهي عنه و هذا باتفاق العلماء.

و ما أجمل قول الإمام الغزالي: أشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل و السمع و اصطحب فيه الرأي و الشرع و علم الفقه و أصوله من هذا القبيل فإنه يأخذ من صفو الشرع و العقل سواء السبيل فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول و لا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد و التسديد ([1]).

و مع تطور الحياة و كثرة الحوادث و المستجدات في حياة الناس أصبح من الضرورة بمكـان أن يولي العلماء و الباحثون موضوع المصلحة المرسلة كثيرا من الاهتمام ليوجدوا الحلول لكل ما يستجد في حياة الناس و ليبرزوا بشكل واضح أن هذه الشريعة صالحة لكل زمان و مكان.

وقد رأيت أن أتصدى لهذا الموضوع من خلال هذا البحث الذي اجتهدت فيه و هو جهد المقل مهما بذلت فيه من وسع فما كان فيه من توفيق فمن الله وحده "وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب " و ما كان فيه من خطأ أو زلل أو نسيان فمني و من الشيطان و الله و رسوله منه براء 0 (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا و اغفر لنا و ارحمنآ أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) ([2]) و صلى الله و سلم وبارك على سيدنا محمد و على آله و صحبه و على كل ما سار على دربهم إلى يوم الدين 0 أهمية الموضوع و أسباب اختياره أولا: البحث الشرعي لذاته و الاستفادة منه فإنه غاية مطلوبة يقصده العلماء و طلبة العلم.

ثانيا: تعلقه بمقاصد الشريعة الإسلامية بالإضافة إلى كونه يمثل مصدرا من مصادر الأدلة الشرعية المعتبرة في كثير من المسائل الفقهية.

ثالثا: أن هذا الموضوع لامس رغبة في نفسي في أن أثبت حقيقة مهمة وهي أن المصلحة التي تعارضها النصوص ليـست مرسـلة بل ليست مصلحة على الإطلاق.

ذلك أن كثيرا من الناس أفرطوا في الاعتماد على المصالح فجرئوها على النصوص.

رابعا: ضبط و تقعيد هذا الأصل العظيم ليكون سائرا في ركاب الشريعة كي لا يكون هناك مجال لأي دعي للعلم أن ينسب مصالح متوهمة أو مظنونة للشرع.

خامسا: محاولة إثبات أن الخلاف بين العلماء في الأخذ بالمصلحة المرسلة اختلاف نظري في ضبط المصطلحات فاعتبار المصالح المرسلة وارد عند جميع المذاهب مع اختلاف في نسبة العمل بها عندهم إلا المذهب الظاهري الذي يتمسك بما هو منصوص عليه.

سادسا: التدرب على تطبيقات المصلحة التي نص عليها الفقهاء مما يعين على تطبيقها في المسائل المعاصرة.

الدراسات السابقة في الموضوع: من خلال البحث في كتب الأصول القديمة و الحديثة لم أجد حسب معرفتي المحدودة كتابا أفرد البحث حول الموضوع كبحث أكاديمي في علم الأصول إنما وجدته بين ثنايا الكتب الأصولية و الفقهية و بعض الكتيبات و المقالات و الرسائل و منها: 1- ضوابط المصلحة للبوطي.

2- التطبيقات الفقهية للمصلحة عند الحنابلة في البيع و الرهن "جمعا و دراسة" بحث تكميلي مقدم لنيل درجة الماجستير في قسم الفقه المقارن جامعة الملك محمد بن سعود الإسلامية المعهد العالي للقضاء إعداد: فهد بن عبد الله بن علي الحمد.

3- المصلحة المرسلة في أحكام السياسة الشرعية فيعهد النبيr إعداد: عبد الإله أحمد أبو رحمة رسالة ماجستير بكلية الشريعة و القانون الجامعة الإسلامية غزة 4 -المصالح المرسلة دراسة تحليلية و مناقشة فقهية و أصولية مع أمثلة تطبيقية تأليف محمود عبد الكريم حسن 5- المصلحة المرسلة عند الحنفية د.

سعد بن ناصر الشثري عضو هيئة كبار العلماء و عضو اللجنة الدائمة للإفتاء ـ ـ قام بتنسيقه و نشره: سلمان بن عبد القادر أبو زيد 6- المصلحة المرسلة و تطبيقاتها المعاصرةفي الحكم و النظم السياسية إعدادعبد الحميد علي حمد محمود أطروحة قدمت استكمالا لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في الفقـه و التشـريعبكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس ــ فلسطين.

و لقد استفدت كثيرا مما كتبه هؤلاء وغيرهم في بحثي المتواضع-جزاهم الله خير الجزاء- وقد أضفت على ما أودعوه مصنفاتهم و صبغت بحثي بالصبغة الأصولية مجال تخصصي حيث إن الكثير مما اطلعت عليه قد تناول الموضوع من المنظور الفقهي أو السياسة الشرعية.

[1] - المستصفي 1/3.

[2] - البقرة الآية (286).