سمات العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي كما يعكسها كاريكاتير الصحف المصرية : دراسة سيميولوجية و دلالية

الملخص AR

تسعى هذه الدراسة إلى تحليل الرسوم الكاريكاتيرية التي تتناول العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي من خلال استخدام مدخل التحليل السيميولوجي لفهم العلامات و الرموز و الأيقونات و الاستعارات البصرية التي احتوتها هذه الرسوم (الاتصال غير اللفظي) مع تحليل الكلمات الدالة في تعليقات هذه الرسوم لمعرفة الحقول الدلالية التي تنتمي إليها هذه الكلمات (الاتصال اللفظي) مع استخدم تحليل المضمون في تحليل أفكار الرسوم و أساليب الفكاهة.

هدفت هذه الدراسة إلى استكشاف سمات العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي كما تعبر عنها الرسوم الكاريكاتيرية في الصحف المصرية من خلال التعرف على الأفكار المتواترة و أساليب الفكاهة التي تم توظيفها من جانب رسامي الكاريكاتير للتعبير عن هذه العلاقة و الدوال السيميولوجية التي ظهر بها المواطن و المسئول الحكومي في هذه الرسوم و الاستعارات و التشبيهات التي تناولت العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي مع تحليل الكلمات الدالة في تعليقات الرسوم الكاريكاتيرية من أجل الكشف عن الحقول الدلالية اللفظية الشائعة التي استعان بها رسامو الكاريكاتير في التعليق على رسومهم.

وتم تطبيق الدراسة على الرسوم الكاريكاتيرية لصحيفة المصري اليوم والوفد و الأخبار خلال الفترة من 1/6/2016 و حتى 31/12/2016.

و انتهت الدراسة إلى أن أكثر الأفكار المتواترة التي تناولت العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي كانت في المرتبة الأولى فكرة ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة على المواطن تلتها فكرة عجز الحكومة عن حل أزمات المواطن و ضعف الإجراءات الإصلاحية التي تتخذها حيالها ثم جاء في المرتبة الثالثة فكرة نقص الدواء من الصيدليات و معاناة المواطن في الحصول عليه وفي المرتبة الرابعة فكرة تحرير صرف الجنيه المصري و انخفاض قيمته.

و تبدو الملاحظة الجديرة الذكر في هذا السياق هو أن كل الأفكار التي تناولتها الرسوم الكاريكاتيرية الخاصة بالعلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي كانت في معظمها أفكارا اقتصادية ذات طابع سلبي.

أما بالنسبة لأساليب الفكاهة التي تم توظيفها في هذه الرسوم فقد جاء أسلوب السخرية و الاستهزاء في المرتبة الأولى ثم جاء في المرتبة الثانية أسلوب التهويل و المبالغة وجاء في المرتبة الثالثة أسلوب التورية و التلاعب بالألفاظ وفي المرتبة الرابعة التباين في الأوضاع و الأحجام وفي المرتبة الخامسة الاستنكار و التساؤل.

وفيما يتعلق بالدوال السيميولوجية التي ظهر بها المواطن في الرسوم الكاريكاتيرية فقد تشابه رسامو الكاريكاتير في الصحف الثلاث في التركيز على دوال بعينها للمواطن مثل وجهه الذي عكس تعبيرات الإجهاد و الألم و الخوف و الفزع و السخرية و الاستهزاء و الحزن و البكاء و الغضب و الضجر من المسئول الحكومي و جسده الذي بدا في كثير من الرسوم نحيفا و هزيلا و يقف دائما وقفة مستكينة و خاضعة أمام المسئول و كذلك ملابسه التي كانت دائما رثة وبالية و مهترئة و بها عدة رقع وجيبه الذي ظهر دائما خاويا و متدليا خارج ملابسه كعلامة على فقره وعوزه وتدني حالته الاقتصادية و ضعف قدراته الشرائية.

أما بالنسبة لدوال المسئول الحكومي في كاريكاتير صحف الدراسة فقد ظهر يرتدي بذلة أنيقة و رابطة عنق و نظارة شمسية سوداء و ذا قوام ممتلئ و هذه العلامات تعكس جميعها ثراء المسئول و ارتفاع مستوى معيشته باعتباره طبقة أخرى غير طبقة المواطن مما يعكس غناه الطبقي و انفصاله عن المواطن و أعبائه.

وقد اختلف رسامو الصحف الثلاث في الدوال السيميولوجية التي ظهر بها المسئول الحكومي في رسومهم الكاريكاتيرية فقد ظهر في المصري اليوم بدوال سلبية شديدة تعكس الفشل و الفساد و الخداع و الأنانية و القسوة في التعامل مع المواطن في حين ظهر في كل من الوفد و الأخبار بدوال أقل سلبية و تكاد تكون متشابهة في الصحيفتين حيث ظهر في الأخبار بدوال التعنت و التقصير في حق المواطن و التضييق عليه و الخوف على المنصب و عدم الاكتراث بمشاكله و ضيق الأفق في حل الأزمات في حين ظهر في الوفد بدوال تعكس التغافل و غض الطرف و التقاعس و التراخي من جانبه عن مصالح المواطنين و ضيق الأفق و التخلي عن المواطن.

كما عكست الاستعارات التي ظهرت في الرسوم الكاريكاتيرية التي تناولت العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي في الصحف الثلاث سوء العلاقة بينهما ففي المصري اليوم تم تشبيه الأسعار بالنار التي تحرق المواطن و الكهرباء التي تصعقه و قرض صندوق النقد الدولي التي سعت الحكومة للحصول عليه بالقيد الحديدي الذي يربطه المسئول في قدم المواطن وتارة بالفخ الذي يمسك بالمسئول و لا يستطيع الفكاك منه.

كما ظهر الجنيه على أنه شخص قليل القيمة أو طائر ضعيف له جناحان يلقي به المسئول من فوق قمة الجبل ووزارة المالية بالمبنى الضخم الذي تدلى خارجه جيبان فارغان على نحو كبير و لافت.

و بالنسبة لاستعارات الوفد فقد شبه الغلاء بالقنبلة و الدبابة التي تدهس المواطن و الأسد الذي يلتهمه و القدر الذي يغلي و يفور كما شبه الاقتصاد بالرجل المسن المريض الذي يعالج بالمسكنات وشبه الإصلاحات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة مؤخرا بالمشنقة التي تخنق المواطن و الفساد بالفيل الذي يدهس المواطن و تجري الحكومة خائفة أمامه.

أما استعارات الأخبار فقد شبه رساموها الأسعار بالرحى الحجرية الضخمة التي تطحن المواطن و الأسعار بالراقصة التي تغازل مافيا السوق والمواطن بالملاكم الهزيل الضعيف ذي الكدمات و الجروح و الاقتصاد المصري بالرجل المريض الذي تتكالب عليه أمراض الروتين و البطالة و ارتفاع العملات الأجنبية و المناخ الاستثماري السيئ.

كما جاء تحليل الحقول الدلالية يعكس سوء العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي حيث جاءت الحقول جميعها سلبية فقد تصدر حقل فشل الحكومة المرتبة الأولى في الصحف الثلاث مما يعني أن رسامي الكاريكاتير كانوا يحملون الحكومة سوء أوضاع المواطن وجاء في المرتبة الثانية حقل متطلبات عيش المواطن الذي كان يندرج تحته الحاجات الأساسية التي أصبح المواطن عاجزا عن الحصول عليها بعد ارتفاع الأسعار و تعويم الجنيه و زيادة سعر الصرف و الدولار و ضريبة القيمة المضافة وجاء في المرتبة الثالثة حقل معاناة المواطن و الذي كان يظهر تضرر المواطن و معاناته من سوء إدارة المسئول الحكومي للملفات الاقتصادية.

وفيما يخص فروض الدراسة فقد ثبت صحة الفرض الأول جزئيا حيث تبين وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين رسامي الكاريكاتير في تناولهم لفكرة ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة على المواطنين و عجز الحكومة عن حل أزمات المواطن و رفع الدعم الحكومي عن المواطنين بينما لم تكن هناك فروق ذات دلالة إحصائية في تناولهم لبقية الأفكار الأخرى.

أما الفرض الثاني فقد ثبت هو الآخر جزئيا حيث تبين وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين رسامي الكاريكاتير في توظيفهم لأسلوب التهويل و السخرية و التباين في الأوضاع و الأحجام والتورية و التلاعب بالألفاظ في رسومهم التي تتناول العلاقة بين المواطن و المسئول الحكومي بينما لم توجد فروق بين الرسامين في توظيفهم لأسلوبي التهوين و الاستنكار.