التنويم الاجتماعي و التدوير السياسي : دراسة نقدية

الملخص AR

إذا كان تشكيل القيم والمعتقدات الدينية وصياغة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية وبلورة الميول والاتجاهات الثقافية والاهتمامات والنوازع السياسية تمثل المهمة الأساسية والجوهرية لعملية التطبيع الاجتماعي والتي من مخرجاتها ما يسمى بالتنويم الاجتماعي، فانه لا عجب أنها تمثل تسعة اعشار أعمال وأفعال الناس ولا سيما في المجتمعات النامية والتقليدية لأن المرء لا يستطيع أن يفكر إلاّ في حدود ما يُملى عليه لكون إطاره العقلي يكاد يكون شبه مغلق بشكل لا ينفذ إليه برهان ناهيك عن ضعف إن لم نقل انعدام ملكة النقد لديه .

وإذا كان هذا التنويم يعد حقيقة اجتماعية ماثلة في واقع هذه المجتمعات فإن تأثيره يتباين من فرد لآخر ومن جماعة لأخرى ، فالبعض غارق فيه حتى أذنيه والبعض الآخر يتأثر فيه على نحو محدود، فكلما ازدادت ثقافة الناس وتفتحت عقولهم واتسعت مداركهم ضعف فيهم دور هذا التنويم وتضاءلت فرص تأثيراته عليهم ، ولا بد من التذكير في هذا المجال إن تداعيات وإفرازات هذا التنويم يجعل من إيقاعات الحياة الاجتماعية بكافة مناحيها الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية خالية من التنوع والتغير والتحول الذي تفتضيه المعطيات الجديدة الأمر الذي يجعل حياة الناس رتيبة لفترات زمنية ليست بالقصيرة ، وذلك لسبب بسيط هو اْن المبادئ الثيولوجية و القيم الاجتماعية التي تمثل جوهر هذا النمط من التنويم تؤدي دور المخدر بشكل كبير جدا ولا سيما في المجموعات السكانية المنكفئة على نفسها والتي ترى في إرثها الثقافي المرجعية الوحيدة في إطلاق الأحكام على الكثير من جوانب الحياة المختلفة بما فيها الجانب السياسي الذي يتأثر بشكل أو بآخر بهذا التنويم ، فاللاعبين السياسيين لا يألون جهداً في توظيف أدوات ووسائل وعناصر التنويم الاجتماعي والتي تتجلى في تراث الأمة الحضاري وموروثها الثقافي والمتاجرة بها في تبوأ مناصبهم في السلطة واستمراريتهم وبقاءهم فيها لفترة أطول وإن كانت من مواقع ومناصب مختلفة من خلال دغدغة عواطف الجمهور واستمالتهم بشعارات براقة وبيافطات رنانة دون أن تقدم الطبقة السياسية ما وعدت به ناخبيها بما يوفر لهم الحياة الحرة الكريمة غير الاستئثار بالثروة والنفوذ والجاه التي تمثل أبرز غايات ودوافع التدوير السياسي لثلة السياسيين القابضين على السلطة