تبعات جائحة كورونا في ضوء القانون الدولي الخاص (القانون الواجب التطبيق- الاختصاص القضائي)‎ : دراسة تحليلية فقهية قضائية مقارنة

الملخص AR

لقد خلفت جائحة كورونا تبعات عالمية هائلة على مختلف الأصعدة؛ بعدما أبت ألا تترك صغيرا أو كبيرا، عالما أو جاهلا، مسافرا أو حتى مقيما إلا وأثرت عليه بشكل مباشر أو غير مباشر؛ و على وقع ما نجم عن الجائحة هرولت الحكومات لكي تقي شعوبها جسيم أخطارها، ولتجابه تفشيه المستعر؛ محاولة إيقاف عجلة الحياة الطبيعية المعتادة تارة، و اعادة دوران عجلة الحياة مرة أخرى في سياج من التدابير الاحترازية تارة أخرى.

و لما كانت تبعات الجائحة قد تخطت الحدود الوطنية، متجاوزة توقعات الأنظمة الاقتصادية و القانونية و السياسية و الاجتماعية العالمية؛ فقد كان طبيعيا أن تنذر الجائحة بتعجيل نزول بعض المسائل حيز الواقع العملي قبل الأوان.

و لما كان العالم بأسره يدور في فلك جائحة هذه أوصافها؛ فقد كان طبيعيا تأثر الحياة القانونية عموما بها تأثيرا عظيما، و يعنينا من ذلك ما أفرزته الجائحة من تساؤلات تتعلق ببعض ضوابط القانون الواجب التطبيق و اشكالياته وكذا الاختصاص القضائي، و هو ما نجم عنه مسائل عدة، و قد ركزت الدراسة على عديد منها بعدما اقتطفت ما ارتأت أنه الأكثر أهمية و الأولى بالوقوف عنده، و ركزت عليه إثراء للدراسة.

و بغرض حسن طرح الموضوعات التي ابتغت الدراسة الوقوف عندها انشطرت الأخيرة إلى مبحثين أساسيين، وقف أولهما : عند القانون الواجب التطبيق في زمن الكورونا، متناولا بعض إشكاليات القانون الواجب التطبيق في زمن الكورونا من منظور خمس زوايا بعينها؛ ألا و هي : القانون الواجب التطبيق على حماية البيانات الشخصية، وعلى المسافر الدولي المنتهك لقوانين الحجر الصحي الوطنية، وعلى العدوى بفيروس كورونا سواء أكانت العدوى من أشخاص لأشخاص أم من أشياء (أسطح) لأشخاص-، و على عقود التجارة الدولية المتأثرة بالجائحة، و على الفعاليات وصفقات التسليم الملغاة أو المؤجلة أو المتأخرة.

و في شق لاحق من المبحث ذاته كرست الجهود لبيان مدى اعتبار قرارات حكومات بعض الدول الصادرة في أعقاب الجائحة من القوانين ذات التطبيق الضروري من عدمه، و هو جواب تم تأسيسه على أعمدة تشريعية مقارنة بعرض أبعاد التدابير التي اتخذتها حكومات كل من: إيطاليا و فرنسا ومصر واليونان، و ازاه جواب عن السؤال المطروح.

و لحق بما مضى مبحث ثان: شرح بعضا من زوايا الاختصاص القضائي في سياق جائحة كورونا، وهو شأن استتبع تقسيم المبحث إلى مطالب ثلاثة، طرح أولها : أبعاد تأثير الجائحة على سير الإجراءات القضائية باستظهار مسوغات تعجيل الحاجة إلى محاكم افتراضية وألية عملها، والكشف عن بعض تطبيقاتها الواقعية، و تسليط الضوء على بعض الوسائل الأخرى لحل المنازعات ذات الصلة بجائحة كورونا، تلاه بيان لملابسات التقاضي الجماعي وحاجاته في زمن الكورونا عموما و تطبيقا على موقف القضاء الهولندي خصوصا، أعقبهما بيان تبعات الجائحة على دعوى بعينها؛ ألا و هي دعوى الحضانة، و لعل هذه الأخيرة قد أظهرت بجلاء من ظاهر عنوانها- مدى عمق تأثير الجائحة.

و وازى ما مضى وقوف المطلب الثاني عند الشق العملي للفكرة بشرح بعض التطبيقات العملية لتأثير جائحة كورونا على الاختصاص القضائي من منظور مقارن؛ و ذلك بعرض موقف بعض الأنظمة القضائية، مثل: موقف القضاء الإنجليزي و المصري و الألماني، و موقف الاتحاد الأوروبي.

و اختتمت الدراسة بمطلب أخير عرض للموقف القضائي من زاوية مغايرة؛ ألا وهي: معطيات مساءلة الدول في أعقاب الجائحة، وهو ما استلزم الوقوف أولا عند مدى إمكانية مساءلة الدولة جراء تبعات الجائحة، و شرح موقف الشركات الحاملة لجنسيات دول لم تقم باتخاذ أية تدابير احترازية، و مدى إمكانية مساءلة الدولة عما حدث لأي عقد دولي في أعقاب جائحة كورونا، مع أهمية تسليط الضوء على موقف الصين إزاء المطالبات القضائية بالتعويضات بسبب ما أسفر عنه فيروس كورونا من تفش، ثم تكليلا لهذا المقام بشرح دور اللوائح الصحية الدولية IHR التابعة لمنظمة الصحة العالمية في مكافحة الجائحة.

و لم يكن لمقام اتصلت أبعاده ببيان تبعات الجائحة من منظور القانون الدولي الخاص و الاختصاص القضائي تحديدا أن يمر من دون الوقوف عند فكرة بعينها أراها- من أثمن الأفكار التي طرحت مؤخرا في أعقاب الجائحة في هذا الخصوص؛ ألا وهي : المبادرة باقتراح -بل السعي العملي- لتأسيس شبكة محاكم عن بعد Remote Courts حول العالم، و هو شأن يحوي مزيدا من التفاصيل التي بينتها الدراسة، و كأن الجائحة –و على وجهها السيئ- قد كشفت لنا عن وجه آخر للجائحة هو الأفضل بالطبع- يشحذ الهمم لتخرج أفضل ما لديها.

وفي سبيل حسن عرض الموضوعات المذكورة بنيت الدراسة على ثلاثة مناهج؛ هي : المنهج المقارن؛ و المنهج التحليلي؛ و كذا المنهج التأصيلي