الاستهلال في شعر حسان بن ثابت

الملخص AR

إن النص الشعري يعكس عواطف وانفعالات الشاعر، ولعل أبرز مقومات النص الشعري واجهة القصيدة التي هي الاستهلال، وأول ما يطالعنا من ملامحها المطلع، فهو إذا بدء الكلام، فعلى الشاعر أن يختار لفظا بديعا مصنوعا، وعتبة الاستهلال لها دور كبير لبيان ما تحويه القصيدة من معنى، ويعد بنية تبشيرية بمحتوى النص، فشاعرنا حسان بن ثابت قد عاش عصرين، فهو من الشعراء المخضرمين الذين تمسكوا بزمام الأساليب الفنية للقصيدة، وهو حاذق يجتهد في تحسين الاستهلال والتخلص، وتكشف عن طاقة النص الشعرية، لهذا تجد في شعره أداة الاستفهام (الهمزة) المضافة إلى (لم) النافية التي تعطي معنى دلاليا أكبر.

فالاستهلال وعلاقته بالنص الشعري في شعر حسان بن ثابت كان له دور كبير في الكشف عن مضامين ما يحمله النص من طاقة شعرية يمكن كشفها بقراءة ما استهل به الشاعر، وهذا يدل على التماسك النصي الذي تتمتع به القصيدة، واجتهد في مقربة من النص الشعري وبيان العلاقة بين أجزاء هذا النص، وتبين هناك توافق بين المعنى المعجمي والاصطلاحي للاستهلال، وأما من إبداعه من حيث التخلص والخاتمة التي سماها الخطيب القزويني بـ (الانتهاء) فهي سمات الأساليب الأدبية، ووصول المعنى إلى الذروة واكتمال سير عملية البوح، إذا تعد الخاتمة من أهم متطلبات النص الأدبي على الرغم من أنها لم تأخذ حصتها الكافية من الدراسات الأدبية والنقدية مقارنة بأجزاء القصيدة الباقية، إلا أننا لا يمكن التقليل من شأنها فهي إيذان الشاعر ببلوغه لأهدافه، وحسان كتب قصائد متباينة الخواتيم تبعا لخصوصية الأجواء التي كتب فيها، فالخاتمة عند حسان بن ثابت كانت هي الإجابات والحلول التي يقدمها الأديب عن أسئلته ومشكلاته وهي المخرج النهائي لذلك المأزق الذي نتج عن تفاقم المشكلات التي حملها الشاعر على كاهل نصه الأدبي بين الاستهلال والخاتمة، وكأن العلاقة بينهما هي علاقة السبب بالنتيجة، فالاستهلال سبب نتيجته ما يمكن أن تقدمه الخاتمة من حلول وكلاهما لا يقل أهمية عن الآخر، وبذلك لا تقل أهمية عتبة الأقفال والأختام عن أهمية عتبة الاستهلال لما تحققه من تركيز إجمالي يؤثر في جوهر فعالية المتلقي ومصيرها، ومهما كانت عتبة الاستهلال دائمة على الكثيرين من الشعراء، فإنها تبقى دون صعوبة عتبة الاختتام (الأقفال) التي تسهم كثيرا في تحديد خطاب القصيدة؛ لأن الرغبة في ثقافتها المعروفة هي بانتظار نهاية تستقر عندها مصائر القصيدة التي تلقي فيه على كاهل الشعراء تبعات في رسم فضاء النهاية على أفضل صورة ممكنة.

ولعل اختلاف النصوص الأدبية وتبيانها في الدراسات الأدبية من شاعر إلى شاعر آخر إنما هو تعبير عن دواخل الشعراء أنفسهم وذلك بحسب عد النص الشعري انعكاسا لعواطف وانفعالات الشعراء أنفسهم، ولعل ذلك كله دعاني لأن أقف أكثر على مقربة من النص الشعري وبيان العلاقة بين أجزاء هذا النص، وبالتحديد الاستهلال في شعر حسان بن ثابت.