اختبار مدى فعالية برنامج تربوي متكامل لتحقيق الأمن النفسي والجسدي والفاعليين التربويين في البيئة المدرسية: مشروع بحث تدخلي لدى تلاميذ التعليم الإعدادي والتأهيلي للوقاية والحد من العنف المدرسي

الملخص AR

تهدف هذه الدراسة إلى بلورة واقتراح مجموعة من الأسس المنهجية والخطوات الإجرائية لمشروع بحث تدخلي في عدد من المؤسسات التعليمية التي صنفت لدى الدوائر الرسمية بمثابة بؤر للعنف المدرسي، وذلك قصد اختبار مدى فعالية برنامج تربوي متكامل من شأنه المساهمة في ضمان الأمن النفسي والجسدي لكل المتواجدين في البيئة المدرسية من تلاميذ وفاعلين التربويين على السواء، ويستهدف هذا البرنامج الوقاية من العنف المدرسي بإشكاله المختلفة، وذلك انطلاقا من الاستناد إلى بعض الأطر النظرية والتجريبية المرتبطة بمجال العنف بصفة عامة، والعنف المدرسي بصفة خاصة، هذا بالإضافة إلى استلهام بعض البرامج التربوية التطبيقية والإرشادية التي سبق استخدامها في دراسات علمية تدخليه سابقة ذات صلة بالموضوع.

إن العنف الذي ما فتئت وتيرته تسجل تصاعدا ملموسا في السنوات الأخيرة بين المتعلمين من جهة وبينهم وبين الطاقم التربوي من جهة أخرى أصبح يشكل تهديدا خطيرا لأمن المتعلمين وحقهم في التعلم الذي يعتبر من أهم الحقوق التي ينبغي صيانتها وتوفيرها.

لقد اتسعت دائرة العنف في المؤسسات التعليمية لتتجاوز الإطار التقليدي النمطي المتمثل في عنف المدرسين اتجاه التلاميذ لتشمل عنف التلاميذ اتجاه زملائهم واتجاه مدرسيهم الذين غدوا من أكبر ضحايا العنف في المجتمع وهو ما بات يشكل كذلك تهديدا خطيرا للحق في الأمن النفسي والجسدي للأطر التربوية والذي يعتبر شرطا أساسيا للقيام بمهامهم التربوية، وهذا ما يستدعي القيام بدراسات موضوعية وأبحاث تدخلية قصت التحكم في العوامل المرتبطة بهذه الظاهرة والحد من خطورتها، وذلك باتخاذ الإجراءات التربوية والنفسية الملائمة، وفي هذا السياق نأمل من خلال هذه الدراسة أن نمد الباحثين في هذا المجال مشروع أرضية للتدخل في هذا المجال وتبقى هذه الأرضية قابلة للتطوير وإدخال التعديلات الملائمة عليها.

ولعل من أهم دواعي إعداد هذه الدراسة حاجة البيئة المغربية إلى أبحاث تدخليه recherches action في هذا المجال، خاصة عندما يتعلق الأمر بدراسة ظواهر مجتمعية أو نفسية تتطلب تشخيصا يتحرى الدقة لمعرفة مدى حدتها وانتشارها تمهيدا للتدخل لمحاولة ضبطها والتحكم فيها قصد ضمان الأمن النفسي الجسدي في المناخ المدرسي، وذلك لما تشكله هذه الظواهر من خطورة، سواء على شخصيات التلاميذ والمدرسين أو الإداريين وصحتهم النفسية، ولما يترتب عليها من تفاقم التردي الذي يعاني منه قطاع التربية والتعليم في بلادنا.

وعلى هذا الأساس تم تحديد مفهوم العنف المدرسي ومجالاته بكيفية إجرائية، وتم كذلك الاطلاع على بعض الأبحاث التدخلية الأجنبية التي أثبتت فاعليتها في تهيئة مناخ مدرسي يتحقق فيه الشعور بالأمن النفسي والجسدي، وذلك بالتقليص من حدوث ظواهر العنف في المؤسسات التعليمية.

وبناء عليه فإن مشروع هذا البحث التدخلي الذي يأخذ صبغة تطبيقية يستند أساسا على المرتكزات التالية: 1- نتائج الدراسات العلمية الاختبارية etudes empiriques المرتبطة بالعنف والعدوان في المجلات التالية: العلوم العصبية les neurosciences : فقد أثبتت بعض دراساتها مثلا وجود تأثير للتغذية والمواد المخدرة على سلوك العنف؛ سواء من حيث الرفع من حدته أو التقليص منها وهذا ما يستدعي حملات تحسيسية متواصلة تستثمر نتائج هذه الدراسات.

علم النفس بمختلف فروعه التي اهتمت بظاهرة العنف على علم النفس الإكلينيكي وعلم النفس الاجتماعي وسيكولوجيا التربية، وخاصة منها ما أسفرت عنه البحوث التجريبية والميدانية في هذا المجال 2- نتائج الأبحاث التدخلية السابقة المنجزة في بيئات أجنبية و المرتكزة على برامج متكاملة ومندمجة للوقاية من العنف المدرسي ومواجهته 3-المعطيات الثقافية المغربية وخاصة ما يتعلق منها بالقيم الدينية، معززة بثقافة حقوق الإنسان وما يرتبط بها من قيم كونية، وهي كلها قيم لم تأخذ المكانة اللائقة بها في المنظومة التربوية المغربية على مستوى الممارسة التربوية.

ويستلزم هذا البرنامج تعبئة طاقات الفاعلين التربويين داخل المؤسسات المعنية، خاصة مدرسي الاجتماعيات والفلسفة والتربية الإسلامية وتفعيل النوادي المدرسية وخلايا الإنصات وبعض جمعيات المجتمع المدني والمجالس العلمية لإبراز البعد الديني لحقوق الغير ومدى خطورة الإخلال بها دينيا، هذا بالإضافة إلى الإشراك الفعال للتلاميذ في البرنامج.

وكما تقتضيه مستلزمات البحوث التدخلية عادة فلا بد من قياسات قبلية وبعدية لظاهرة العنف المدرسي وفق مؤشرات ومقاييس موضوعية بهدف التحقق من فاعلية هذا البرنامج على مدى سنة دراسية داخل مؤسسة تعليمية.