قراءة في كتب السياسة الشرعية بين القديم و الحديث

الملخص AR

يزعم كثير من الناس عدم اهتمام المسلمين بالحديث عن السياسة، و أن جل همهم متعلق بالآخرة، أما الدنيا فليس لها من كتاباتهم نصيب، و أن ما كتبوه في ذلك لا يتجاوز عددا محدودا من الدراسات، و أغلبهم لا يعرف من الكتب غير الأحكام السلطانية للماوردي.

و بعض هؤلاء يطعن بذلك في الإسلام نفسه، و أنه دين لا علاقة له بالدنيا، و ليس من شأنه أن يتعامل معها، و هؤلاء يرد عليهم بأن الشريعة الخاتمة التي أنزلها الله تعالى على رسوله محمد-صلى الله عليه و سلم-، و جاءت أحكامها في الكتاب و السنة تعتني بالأمرين جميعا : الدنيا، و الآخرة، و لا تعرف هذا الفصل الحاد بين المجالين.

إن المطلع على نصوص الوحي المعصوم من الكتاب و السنة يجد أنها أفردت مكانا كبيرا و عظيما للحديث عن كل المسائل التي يحتاجها الإنسان في حياته، فتناولت مجال نظام الحكم، و العلاقات الدولية، و الحفاظ على دولة الإسلام، و حقوق و حريات الإنسان المسلم، بجانب اعتنائها بمجال الاختراع و الابتكار و البناء و التعمير، و العناية بالحرف و المهن التي تسمو بالمجتمع، كما كان لمجال القضاء بين الناس و مجال الاقتصاد نصيب كبير.

و انطلاقا من تلك المجالات المتعددة التي عالجتها مصادر الشريعة في باب السياسة الشرعية، ظهرت الكتابات المتعددة التي تعالج هذه المسائل، و في ذلك رد على الفريق الذي يدعي تقصير علماء المسلمين في هذا الباب.

و الكتابة في السياسة الشرعية مرت بثالثة أطورا : بدأت من الرواية المعتمدة غالبا على النقل الشفوي إلى طور التدوين الممزوج بما كتب من تفسير القرآن الكريم و الحديث الشريف، قبل أن تظهر الكتابات المتخصصة التي تعالج موضوعات خاصة من موضوعات السياسة الشرعية.

و المكتبة الإسلامية في مجال السياسة الشرعية حافلة ؛ ففيها كتب الأحكام السلطانية، و الكتب التي تتناول الجوانب المالية المتعلقة بالدولة الإسلامية، و أخرى تتناول القانون الدولي و العلاقات الدولية، بجانب الكثير من الكتب التي تتناول مواضيع هامة الوزارة، و القضاء، و رعاية الأخلاق و الآداب و صيانة المجتمع، إضافة إلى غيرها من كتب التاريخ السياسي و الفكر السياسي.

و بجانب ذلك فإن هنالك قدرا كبيرا من مخطوطات كتب السياسة الشرعية تعد بالعشرات ما زالت حبيسة لم تر بعد نور الطباعة.