إشكاليات في الدرس البلاغي

الملخص AR

إن الدرس البلاغي قل من بحث في إشماليته رغم ما فيه، و قد وقف البحث هنا عند عدد منها، إذ وجد فيه من الإشكاليات ما يتعلق بالمصطلح البلاغي، كتعدد المصطلح لفكرة واحدة كما هو الحال في مصطلحات التجنيس و المماثلة و التعاطف و التشاكل، فهذه المصطلحات تعبر عن فكرة اتفاق اللفظين في وجه من الوجوه مع اختلاف من جهة المعنى.

و هذا يجعل الدارس البلاغي لا يقف على مصطلح محدد، و إنما تختلط عنده المصطلحات التي تعبر عن الفكرة الواحدة بتنوع.

و من إشكاليات الدرس البلاغي ما يتعلق بتقسيمات الفنون البلاغية الرئيسة أو الفرعية، كجعل أسلوب الرجاء قسما من أقسام الإنشاء غير الطلبي، مع أن أغلب البلاغيين يجعلون الطلب جزءا من حده.

و هو ما وقف البحث عنده في إشكاليات الحد البلاغي، إذ عرف الرجاء بأنه طلب المحبوب القريب الوقوع، أو طلب حصول أمر محبوب قريب الوقوع.

فهذه الحدود و غيرها يلمح فيها معنى الطلب في اسلوب الرجاء، غير أنهم عدوه قسما من أقسام غير الطلبي.

و من إشكاليات الحد أيضا ما وجد في حد التتميم و التذييل اللذين تشابها و تقاربا عند العلوي.

و من الإشكاليات أيضا ما يتعلق بإهمال البلاغيين لموضوعات بلاغية و معاني مجازية، فمن الموضوعات التي لم تدرس بلاغيا موضوعات (الإنشاء غير الطلبي)، و هو القسم الثاني من أقسام الكلام، إذ الكلام يقسم إلى خبر و إنشاء، و الإنشاء يقسم إلى طلبي و غير طلبي، و قد درس البلاغيون اقسام الإنشاء الطلبي و وقفوا عند طرق التعبير عن أغراضه المجازية التي يمكن أن يخرج أليها كل أسلوب من هذه الأساليب الطلبية.

أما أساليب الإنشاء غير الطلبي، فلم تنل العناية التي نالها الطلبي محتجين بنحوية موضوعاته، و قلة اللطائف البلاغية، و أنها في الأغلب نقلت إلى معنى الإنشاء.

و يمكن لما القول في ذلك أن صفة النحوية على موضوعات الإنشاء غير الطلبي (القسم - المدح و الذم – التعجب -صيغ العقود)، تشترك فيها أيضا موضوعات الإنشاء الطلبي (الأمر- النهي - الاستفهام - لنداء - التمني- الرجاء) و قد درسوا الأخير و اهملوا الأول.

أما قلة اللطائف فهذا لا يعني و لا يسوغ لهم الإهمال، إذ القلة أو الكثرة لا يمكن أن تكون سببا في اهمال البحث في موضوع ما و العناية بآخر.

أما أن أغلب ضروبه اخبار فهذا ليس صوابا، لأنه ليس لهذه الموضوعات واقع خارجي تطابقه فتتصف بالصدق أو لا تطباقه فتكون كذبا، فضلا عن أن افتقار هذه الموضوعات إلى الدلالة على الزمن يخرجها من دائرة الأخبار.

و قد وجد في موضوعات الإنشاء غير الطلبي التي أهملها البلاغيون دلالات و روباط جامعة بين موضوعاته، كالدلالة على التعظيم، و اللفت و التنبيه، و تحقيق الحكم و إثباته، و إثارة الشعور و حرارة الانفعال، فضلا عن النيابة التي تحصل بين معاني فروعه، كخروج القسم إلى معنى التعجب أو التعجب إلى معنى المدح و الذم ...

و هذا ما يؤيد دراسة الإنشاء غير الطلبي دراسة بلاغية معنوية.

و مما أغفله البلاغية قسما من اقسام الأطناب يعرف بـ (وضع الظاهر موضع المضمر).

و كذلك إغفالهم الافتراض الذي يشكل ظاهرة تعبيرية، و معنى من المعاني المجازية التي يمكن أن تخرج إليها الأساليب سواء الخبرية أو الإنشائية.

و كذلك إهمالهم لدراسة التضمين بفكرته النحوية، فضلا عن أهمالهم دراسة التصوير الصوتي و كذلك التصوير عن طريق التجسيم و التصوير بالغريب و طرق أخرى كثر ورودها في التعبير القرآني الكريم.

هذا و يبقى الباب مفتوحا لمن أراد التوسع في مثل هذه الإشكاليات التي تنطوي تحت الدرس البلاغي.