مسؤوليات المعلم في الفكر التربوي عند بدر الدين ابن جماعة

الملخص AR

ادرك الشيخ بدر الدين محمد بن جماعة بن إبراهيم بـن سـعد الله بـن جماعـة بـن علـي بـن بیـك حـازم بـن صـخر بـن عبـد الله الكنـاني الحمـوي الشـافعي (٦٣٩هــ- ٧٣٣هـ) أن مسؤوليات المعلــم باعتبــاره أعظــم مسؤولية مــن غیــره، فهــو ناقــل لتــراث الحضارة، مبدع للقیم الحضارية و عمله تنمية قدرات البشر و اطلاق طاقاتهم المختلفة.

و أولى المسؤوليات و أهمها –عند ابن جماعة- مسؤولية المعلـم تجـاه المـادة التـي یقـوم بتدريسها.

فينبغي أن تكـون حریتـه كاملـة فــي تحدیـد المـنهج، و تعیـین أوجـه النشــاط التعلیمي المختلفة، و اختیار الكتب والمراجع ووسائط التعلیم المناسبة لكل متعلم.

ومن الخطــأ –فیمــا یــرى ابــن جماعــة- أن یفـرض علــى المعلــم تــدریس مــنهج بعینــه لكــل التلاميذ رغـم مـا بینهم مـن فـروق، غیـر أن حریـة المعلـم فـي هـذا الشـأن لا تحـول دون تحمل المتعلم المسؤولية، إلا أن قلـة خبرتـه ونقـص علمـه، یجعلانـه لا یسـتقل باختيار المادة أو المواد التي یرغب في دراستها و تحدید الكیفیة التي تدرس بها.

و تعـد مسؤولية المعلـم تجـاه الإرشـاد و التوجيه مـن أهـم مسؤوليات المعلـم.

إن وظیفة المعلم بالدرجـة الأولـى –عنـد ابـن جماعـة- هـي مسـاعدة تلامیـذه علـى تحقیـق ذواتهم، والعمل معهم وفق طبیعة كل منهم.

ومسـاعدة كـل تلمیـذ علـى أن یحقـق ذاتـه إلـى درجـة یسـتطیع معهـا أن یرضـى عـن نفسـه.

و یعـرض ابـن جماعـة للمعلـم وسـائل متعددة تمكنه من معاونة تلاميذه علـى اكتشـاف قـدراتهم واسـتخدامها أصـلح اسـتخدام وأوفقه.

ویعتبـر ابـن جماعـة المعلـم مسـؤولاً بدرجـة كبیـرة عـن صـحة المـتعلم النفسـیة واتـــزان شخصـــیته.

و یـــرى أن تهیئـــة الجـــو التعلیمـــي الخـــالي مـــن الانفعـــالات الثـــائرة والمواقف المؤلمة من أهم عوامل نمو شخصیة التلمیذ.

و لذا فهـو یـدعو إلـى نبـذ القـوة في معاملة التلامیذ و إلى الرفق بهم والشفقة علیهم.

و یؤكد ابن جماعة على أن تنظیم المواقف التعلیمیة تنظیما یسمح للمتعلم باستغلال قدراتـه أحسـن اسـتغلال دون شـعور بـالعجز أو الـنقص، مـن أهـم دواعـي تحقیـق الصـحة النفسـیة لـه.

و یحـذر ابـن جماعـة المعلـم مـن الجـو التعلیمـي المفعـم بالمنافسـة الضـارة غیـر الموجهـة توجیهـاً صـحیحاً .

فالمنافســـة إن لـــم تســـتخدم بمهـــارة فائقـــة تكـــون مثـــاراً للحســـد و الحقـــد بـــین التلامیـــذ.

و مسؤولية المعلم عند ابن جماعة تتناول العناية بصحته النفسية، لانعكاس ذلك على علاقته بتلاميذه حيث أن المعلم غير السوي، ینقل إلى تلاميذه مشـاعره الخاصـة مـن عدم الاستقرار والتوتر و السلوك الانطوائي و غیر ذلك.

ومــن أعظــم مسؤوليات المعلــم –عنــد ابــن جماعــة- مسؤوليته تجــاه البحــث العلمي ذلك لأن البحـث العلمـي یتـیح لـه الاطـلاع علـى حقـائق الفنـون ودقـائق العلـوم بمـا یسـتدعیه مـن كثـرة التفتـیش و المطالعـة و التنقیـب والمراجعـة.

و یعـرض ابـن جماعـة لأهـم أصـول وقواعـد المـنهج العلمـي و هـي : تحـري الحقیقـة و كبارهـا إلـى أقصـى حـد.

موضــحاً أن الحقیقــة بنــت البحــث، و مــا دامــت الحقیقــة بنــت البحــث فمــن الخطــأ أن یســتحي المعلــم مــن ســؤال مــا أشــكل علیــه و لابــد لــه مــن اغتنــام كــل فرصــة للدراســة والتنقیب على الحقائق والتخلص مـن الشـواغل التـي تعوقـه عـن البحـث.

و علـى المعلـم أن یتناول الحقیقة من أي أحد، فهي ضالته یلتقطها أنّى وجدها.

والامتناع عن تناول الحقیقـة لأي سـبب كـان هـو عـین الحماقـة.

و لا یعیـب المعلـم –فـي رأي ابـن جماعـة- أن یقول قولاً، ثم یرجع عنه إلى غیره متى بدا له وجه الصواب، كمـا یجـب ألا یكـون المعلـم مسـتعداً للإجابـة دائمـاً علـى أسـئلة تلامیـذه بـالنفي أو الإيجاب، فهنـاك حـالات یجـب أن یتوقـف فیهـا عـن الإجابـة و إصـدار الأحكـام حتـى یتأكـد مـن صـحة أحكامـه وسلامة إجاباته.

و لقـد بـین ابـن جماعـة فـي هـذا الصـدد أن العلـم لـیس معلومـات بقـدر مـا هو طریقة ومنهج للتحصيل هذه المعلومات.

كما بین أن العلم لا حدّ له وأنه لا یثبت على حال أبداً بل یضاف الیه في كل یوم جدید.