حلقات العلم في الحرمين الشريفين و دورها في صياغة المعطيات الثقافية و الفكرية : "حقبة القرون 12-13-14 الهجرية"

الملخص AR

عرفت الحضارة الإسلامية و العربية بجمعها بين متطلبات المادة و الروح، و العقل و الوجدان، و لهذا لم تعرف هذه الحضارة في منطلقاتها و أصولها تنافرا أو جفوة بين الدين و العلم، و بالتالي بين علوم الشريعة و فنون الفكر و الأدب و الإبداع بكافة مناحيه، مادام هذا الإبداع ساعيا للارتقاء بالنفس الإنسانية و تهذيبها و تقويمها، و لقد عملنا في هذا البحث للتدليل على تلك الصلة الوثيقة بين دوائر العلم المختلفة و فنونه المتباينة من خلال أهم المؤسسات العلمية في تاريخ هذه الحضارة و نقصد بها حلقات العلم في الحرمين الشريفين، فنجد الشخصيات العلمية و قد التقت في رحابها العلوم المتصلة بالشريعة و علوم الأدب دون أن تشعر هذه الشخصيات بشيء من الغضاضة عند إبداعها للشعر أو روايتها له، و أن هذا التكامل مطلب هام في ظل المعطيات الحضارية و الفكرية التي تعيش أجواءها المعاصرة أمتنا الغنية بتراثها و التي لا تخشى في الوقت نفسه من الآخر لامتداد ما تملكه من تراث إنساني عبر عصور التاريخ المتلاحقة.

و قد تدرج هذا البحث في محاوره التي تثبت أيضا دور القلب النابض في هذه الحضارة بإمداد جميع حواضر العالم الإسلامي و العربي بإشعاعات العلم و المعرفة و أن هذا القلب أو المركز و نعني به مكة المكرمة و المدينة المنورة قد امتزجت فيه الأفكار و الرؤى من جميع مراكز العلم الأخرى التي تأسست في ظل هذه الحضارة فيما ينفي عن أجواء العلم و المعرفة الحقيقية روح الانغلاق أو مبدأ إقصاء الآخر الذي يعتبر طارئا على جوهر ديننا و حضارتنا و فكرنا، و كما كان للرجل حضوره في بناء هذا الكيان المتكامل دينيا و علميا و أدبيا فإن المرأة و التي تمثل قوة فاعلة في بناء المجتمع و تطويره كان لها أيضا نصيب وافر في نشر العلم و المعرفة و خصوصا في العصور التي شهدت تراجعا في المد الحضاري و الفكري، و كان من الإنصاف أن ندلل على هذا الدور و نتبين ملامحه و آثاره و شواهده.