الغربة عن الأوطان في القرآن الكريم

الملخص AR

إن تطور الحضارات العلمية و المادية، و انفتاح المسلمين على غيرهم من الدول بسبب وسائل الإعلام و غيرها، أدى إلى التنقل بين البلدان و الاغتراب عن الأوطان، و لأن المسلم المتمسك بدينه لا يتجه نحو أمر حتى يعلم رأي الشرع فيه، فقد بين القرآن الكريم للمسلمين جميع أمورهم الماضية و الحاضرة و المستقبلة، و عرضت النصوص القرآنية موضوع الاغتراب من أجل الجهاد، و غربة الأنبياء عليهم السلام بداية بآدم عليه السلام و حتى هجرة محمد صلى الله عليه و سلم، و خطط أقوام الأنبياء في تغريب المسلمين، و قد ذكرت الغربة في القرآن الكريم كعقوبة حدية، كما بين القرآن الكريم فوائد الاغتراب عن الأوطان، كتحصيل العلم و المال و الجاه و التوفيق في أمر الزواج و إنجاب الذرية و أعمار الأرض و نشر الثقافة الدينية و اللغوية و الدنيوية و تكوين الشعوب. و البحث في موضوع الغربة في القرآن الكريم يتقدمه فصل تمهيدي بنبذة عن معنى الغربة و الوطن و الرحلة في طلب العلم. الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما.

و بعد .. فإن الله تعالى قد جعل الأمة الإسلامية هادية مهتدية، تحمل لواء العلم و تجلو ظلمات الجهل، و قد قام ورثة الأنبياء فيها من أئمة الدين بإضاءة منار العلم بما بحثوه في حلقاتهم العلمية، و ما صنفوه من المصادر الجليلة التي خلدها التاريخ مفخرة للمسلمين و نبراسا يهتدون به في تجديد ما درس من حضارتهم، و إحياء ما غطي عليه الجهل من معارف كتاب ربهم و سنة نبيهم صلى الله عليه و سلم. و ما هم المسلم بأمر من أمور الآخرة أو الدنيا إلا و وجده معروضا مبسوطا في كتاب الله تعالي القرآن الكريم و موضحا بالسنة النبوية و مدعما بأقوال اللغويين و الفقهاء، فمع تطور الحضارات العلمية و المادية، و انفتاح المسلمين على غيرهم من الدول عن طريق وسائل الإعلام و غيرها، احتاج المسلمون إلى الاغتراب عن بلدانهم، تارة طلبا للعلم، و أخرى بحثا عن المال الذي يقوم به معاشهم و حياتهم، و من ضمن هذا كله نشرا للدعوة الإسلامية بين غير المسلمين، و غيرها من الأسباب.

و المسلم في خضم هذه القضايا الشائكة، يبحث عن تأصيل الأمر من الناحية الدينية و الشرعية، لذا رأيت دراسة الموضوع من خلال عرض القرآن الكريم له بغية الوصول إلى حقائق علمية شرعية تنير الدرب للمسلم و تجعله على هدى من ربه في أمره.