الوقف بالنقل أم مبدأ الجهرية ؟

الملخص AR

ذكر سيبويه أن بعض العرب كانوا، إذا انتهت الكلمة بصوتين صامتين صحيحين عند الوقف، يحركون الصوت الصحيح الأول بنقل حركة الإعراب إليه إذا كانت الكملة مضمومة أو مجرورة (الكتاب، ج4، ص ص 173-180).

فيقولون : ((هذا بكر))، و ((من بكر)) ؛ أما المنصوب فإنه يوقف عليه بالألف إن كانت منونا، و بعدم النقل إن كانت الكلمة معرفة بأل التعريف غير أنه يبدو أن معالجة يبويه لهذه الظاهرة ليست كاملة، هذا من جهة، و من جهة أخرى فإنه يبدو أن تفسيره لوجود الحركة قبل الصوت الصحيح الأخير في هذه الحالة، ليس كافيا.

و سوف أحاول في هذا البحث اقتراح تفسير أكثر كفاءة، في رأيي، لهذه الظاهرة مستفيدا مما توفره الدراسة الصواتية المعاصرة من طرق أكثر نجاعة في التحليل الصواتي.

فإذا تأملنا في الأمثلة التي أوردها سيبويه أمكن أن نفسر الحركة الموجودة بعد الصوت الصحيح الأول تفسيرا صوتيا أكثر معقولا.

و ذلك أن الصوت الثاني في هذا التتابع يكون دائما من فصيلة الأصوات الصحيحة التي يطلق عليها " الأصوات الرنينية "، أي (الراء، و اللام، و النون، و الميم في حالات محددة)، و يضاف إليها (الياء، و الواو، و الهمزة، في حالات محددة)، و ذلك حين يكون الصوت الأول في التتابع صوتا صحيحا من غير هذه الأصوات.

و لهذا فإن التفسير الأقرب لهذه الظاهرة هو أن هذه الحركة ليست حركة الإعراب كما يقول سيبويه ؛ هي حركة مجتلبة لتكوين مقطع جديد.

أما سبب اجتلاب هذه الحركة فهو ما يسمى بـ " مبدأ الجهرية ".

و يعني أن الأصوات في اللغات تتدرج في متواصل الجهرية من أكثرها جهرية إلى أقلها جهرية.

و أكثر الأصوات جهرية في هذا المقياس هي الحركات، يليها الياء و الواو، ثم الأصوات الرنينية، ثم الأصوات الصحيحة غير الجهرية (أو الانغلاقية).

و من المعروف أن أحد المقاطع في العربية يتكون من صوت صحيح في بدايته، يتلوه حركة ثم صوت صحيح واحد أو اثنان.

فإذا جاء هذا المقطع في نهاية الكلمة كانت الحركة في المقطع متلوة بأكثر من صوت صحيح وجب أن يكون الصوت الذي يتلو الحركة مباشرة صوتا أكثر جهرية في مقياس الجهرية من الصوت الثاني.

أما إن كان الصوت الأول أقل في مقياس الجهرية من الصوت الثاني فتزداد حركة بين الصوتين الصامتين تحدد طبيعتها الأصوات السابقة و اللاحقة لها في الكملة.