النظام السياسي في الإسلام : دراسة تحليلية مقارنة حول النظم السياسية عند المسلمين

العناوين الأخرى

Political system in Islam

مقدم أطروحة جامعية

العكيلي، علي مزهر

مشرف أطروحة جامعية

العيثاوي، ياسين محمد حمد

الجامعة

الأكاديمية العربية في الدنمارك

الكلية

كلية القانون و السياسية

القسم الأكاديمي

قسم العلوم السياسية

دولة الجامعة

الدنمارك

الدرجة العلمية

دكتوراه

تاريخ الدرجة العلمية

2014

الملخص العربي

تعاني الأمة الإسلامية في مجال تدبير شأنها العام آفتين تعوقان مسيرة نهضتها، آفة فكرية بتأرجحها بين اجتهاد تبريري، و آفة تسلط أنظمة حكم صادرت أمرها الجامع و عجزت عن توفير العيش الكريم لها داخليا، و حمايتها من الغزو الأجنبي خارجيا.

بهذه الحالة المرضية سجلت الأمة أكبر غياب لها عن عصرها، و جعلت بينها و بينه أمدا بعيدا و سدا متينا، و فجوة شاسعة من الضعف و العجز و التخلف الحضاري و الثقافي في جميع مجالات الحياة، حقوقا و واجبات و عدالة و حريات، و منعة و ندية لغيرها من الأمم و الشعوب.

و لئن كان أمر الأمة الجامع لا يصلح إلا بما صلح به أولها، و كان نظام الحكم أول ما انتفض من عرى الإسلام، كما أشار إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه و آله، فإن نقطة البدء ينبغي أن تكون معالجة الشأن السياسي الذي اختل فكرا و تنظيرا و تطبيقا منذ سقوط الخلافة و لما يشتد عودها.

فالأمل معقودا على مفكري الصحوة المعاصرة في تطوير صياغة شرعية لهذا الأمر انبثاقا من مصادر التشريع، فإن هذا الأمل قد خاب بلجوء كثير منهم إلى تلفيقات تنظيرية لاستبداد سلطاني منتزع من التاريخ، مموهة بديمقراطية غربية مستوردة، أنجبت حلولا هجينة عاجزة، لم ترض مرجعا عقديا و لا مصدرا أجنبيا.

أما على صعيد الممارسة الميدانية فإن الأجنبي المتحكم لم يترك لنا إلا أن ننتهج ديمقراطية على مقاس مصالحه الاقتصادية و السياسية و العسكرية، و أرتاله الفكرية و الثقافية و العقدية، تحت غطاء عولمة فجة لقطيعي الذئاب و الخرفان.

في ظل هذه الظروف القاسية، و تحت مظلة هذه الفجوة الحضارية الشاسعة، و على يد هذه الأنظمة الاستبدادية، انهارت الحواجز لدينا حكاما و محكومين، بين الوفاء و الخيانة، و بين الولاء و البراء، و بين الحلال و الحرام، و الكرامة و الذلة، بين الصدق مع النفس و الوطن و الأمة، و التعلق بالغزاة و الظلمة و المحتلين.

حكام يستنجدون بالعدو لقمع شعوبهم و ترويضها، و شعوب تستغيث بالأجنبي لنصرتها على حكامها، و بين استنصار أولئك بالخيانة، و استقواء هؤلاء بالغدر، تنهار قيم و تنحل مجتمعات تتفسخ أخلاق، و يعبث بالماضي و الحاضر و المستقبل، و يتلاعب بالثوابت و المتغيرات، و تعيث فسادا في أوطاننا مراكز غزو متربصة و دوائر استعمار متحفز.

فهل من سبيل إلى نهوض من هذه الكبوة المزمنة التي تقاسيها، و ردم لهذه الفجوة الرهيبة التي تفصلنا عن عصرنا ؟ نعتقد أن البيوت تؤتى من أبوابها، و الترميم يكون لما انهدم من البناء، و قد كان الحكم أول ما انفرط من العقد و انهدم من الصرح، فليكن مقدمة ما يصحح و أول ما يصلح، و فاتحة ما يعد تشييده.

إن نظام الإسلام السياسي الحق إنم قام في أمته، انحلت عقد شعوبها، و تحررت طاقات علمائها و فقهائها، و انطلقت من عقالها عبقرية مبدعيها و منتجيها، و استحثت الخطأ نحو الإصلاحات الكبرى المنشودة، و اختزلت مراحل الطريق نحو العزة و المنعة و حماية الذات و تطوير الحياة.

إلا أن مسيرة الصحوة المعاصرة نحو هذا الهدف تعترضها عوائق لدى كثير من مفكريها و العاملين لها.

في مقدمة هذه العوائق اعتبار النظام السياسي في الإسلام مشخصا في دولية فوقية تعد سلطة عليا لها من التفويض الإلهي و صلاحية التقنين، و أحقية الاستئثار بالحكم و احتكار القدرة على التمييز بين الواجب و المحرم و المهم و الأهم، و ترتيب أولويات البناء و الإنجاز و التشييد، و أسبقيات المدافعة مطاولة و مصاولة، و مشروعية استعمال القوة و الإلزام بالتطبيق و التنفيذ و الامتثال، ما يجعلها مطلقة المسؤولية عن تدبير الحياة الاجتماعية للأمة، و صاحبة الحق الأعلى في الهيمنة و احتكار الخيرات و المنافع جلبا و توزيعا.

من هنا كانت بداية الانفراج في زاوية الانحراف عن النهج الإسلامي الرشيد، و من هنا أيضا ينبغي أن تبدأ محاولة الإصلاح و الترشيد، بتوثيق عرى ما انتقض، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله.

أما العائق الثاني لهذه المسيرة فانحصار تفكير منظريها بين منهجين لا يغادرونهما و لا يبرحون ساحتهما، منهج النظم الديمقراطية و منهج فقه الأحكام السلطانية، و ذاك ما عرقل الاجتهاد ثبط الهمم عن مواصلة السعي لبناء تصور سليم لنظام الحكم في الإسلام.

إن سجن الاجتهاد السياسي في دائرة مصطلحين غربيين عن روح الإسلام و نهجه، مصطلح الديمقراطية و مصطلح الأحكام السلطانية، ليس من شأنه إلا أن يحول دون النظر السليم للحل الأمثل و الخطو القويم نحو الهدف.

ذلك أن النظام الديمقراطي و ما استنبته الغرب من تراث اليونان، مما يعرف به الحداثيون المسلمون و بعض منظري الصحوة الإسلامية المعاصرة، لا يستطيع استيعاب الشأن العام للأمة المسلمة عقيدة و شريعة و نظام حياة، نظرا لمحدودية مضمونه، و اقتصاره على الشأن الدنيوي المادي الصرف، و استبعاده أمر الدين عن نظام الدولة و المجتمع.

و لئن كان لا يتعارض مع ديانة الغرب المسيحية التي انكفأت في كنيستها و غيبياتها، فإن من المتعذر انسجامه مع الإسلام الذي نظم تفاصيل أمور الحياة المادية و الروحية و جليلها.

أما مصطلح "الأحكام السلطانية" الذ ابتدعه فقهاء المسلمين و متكلموهم و فلاسفتهم، لإضفاء الشرعية علة نظم فردية قامت بعد سقوط الخلافة الراشدة، و تبرير تصرفات حكامها، فإنه كذلك قاصر عن استيعاب مستجدات العصر في جميع مجالات النشاط الإنساني، و عاجز عن مسايرة الرشد الذي بلغته البشرية المعاصرة.

إن أقصى ما بحثه الفقهاء لم يتجاوز في أهم مفرداته مواضيع أنهكوها شرحا و بحثا، بما لا يتجاوز نظام حكم فردي مستبد، مستظهرين بأدلة لا تتعدى نصوصا متعسفة التأويل، ظنية الثبوت أو الدلالة، أو أمارات قياس فاسد و استصحاب ناقص، أو مصلحة هوى رئيس، أو اتقاء فتنة تعكير مزاج أمير.

إن هذا الفقه منذ أسسه معاوية ميدانيا، و الماوردي تنظيرا و تبريرا، لم يتجاوز في أهم مباحثه قضايا متعلقة بالإمامة و أهل الاختيار و ولاية العهد و تقليد الوزراء و الأمراء و ولاة الاستكفاء و الاستيلاء، و المظالم و إمامة الصلوات الخمس و الحج و القضاء و الصدقات و الفيء و الغنيمة و الجزية و الخراج و ملكية الأرض مواتا و حمى و وقفا و إقطاعا و ركازا، و أحكام العقوبات حدودا و تعزيرا، و أحكام الحسبة أمرا بالمعروف و نهيا عن المنكر.

هذه المباحث أوسعها السلف من الفقهاء و المتكلمين على مدار التاريخ الإسلامي درسة و تحليلا و محاولات فاشلة للتطوير، و أنهكها الخلف المعاصرون تلقيحا بالفكر الغربي دون جدوى.

ذلك أن مثلبة عدم ملاءمتها للنظام السياسي الإسلامي الحق مما لا يجادل فيه متفقه، أما المثلبة الأخرى فقصور الاجتهد في أحكام هذا الفقه عن تغطية مستجدات العصر و عجزه المطلق عن فهمها و استيعابها و وضع الحلول المناسبة لها.

ذلك أن البشرية قد بلغت في راهن زمننا، بيقظة فطرتها و عميق وعيها بكرامتها و ثقتها بثقافتها و اعتدادها بنضج عقلها، مبلغا أصبح به متعذرا تعايشها مع كل ضروب الحكم الفردي، فقامت بذلك في كثير من الأقطار نظم تحاول ترويض الاستبداد و لجم القهر و الاستغلال، و ضمان العيش الكريم لكافة طبقات المجتمع، كما زلزلت عروش رفضت مسايرة عصرها في أقطار أخرى بثورات و انتفاضات شعبية مستقاة شعاراتها من فلسفة الديمقراطية أو فقه الأحكام السلطانية التراثية، و إن كان جوهر غاياتها التمكن من حق تدبير شأنها العام بنفسها دون وصاية أو تحكم.

و لئن كان الغرب بما أوتي علماؤه و مفكروه من سلوكيات ثقافية راقية، تحفزهم إلى مواصلة البحث و التنقيب، مهما بلغوا و يبلغون، دون كلل أو ملل أو قصور همم و طموح، قد ساهم في تطوير تراثه اليوناني السياسي بما يضمن مستوى من المشاركة في تدبير الشأن العام، باختيار الحكام و مراقبتهم و محاسبتهم و عزلهم أو إقرارهم عند الحاجة، فإن الفقه السياسي لدى المسلمين ظل يراوح مكانه في حلقة مفرغة من فقه سلطاني مموه بصباغ من الشريعة باهت أو تلفيقات من ثقافة غربية شفافة.

إن فقه الأحكام السلطانية لدى القدامى و المحدثين عجز عن مغادرة شرنقة حاكم فرد بيده جميع السلطات عظيمها و هينها، عمليها و نظريها، دينيها و دنيويها، يعين المسؤولين أو يعزلهم، و يوزع العقارات أو يحتكرها، و يقيم الحد أو يعفي منه، و يعزز على الجنحة تعزيزه على الجناية، و يطلق زوجات المخالفين و يزوجهن لمن يشاء، و يقتل العلماء أو يسجنهم أو يجلدهم للشبهة و الظن.

فإذا كان الفقه السلطاني هذا شأنه، فكيف يستوعب الرشد الذي بلغته البشرية حاليا، و صارت به تواقة إلى نظم سياسية تجعل قرارها بيدها تأسيسا و تنفيذا و مراقبة و محاسبة و تطويرا، نظم تبني بها حياة كريمة تضمن الحريات العامة رأيا و تعبيرا و اجتماعا و تنقلا و تعليما و تكافلا، على قواعد تسود فيها إرادة الجماعة على إرادة أجهزة التسيير و التنفيذ و الترويض ؟ كيف يستوعب نظما حديثة و متطورة، غايتها بناء الدولة للأمة، بمؤسساتها العامة وزارات و هيئات، و قواعدها المعقدة للتوظيف و الترقية و المحاسبة، و إدارتها المركزية و المحلية منشآت و مرافق و مراكز تجارية و اقتصادية و صناعية و علمية، و تشريعاتها المتطورة ميزانية و ضرائب و مستحقات و ديونا و قروضا وطنية و أجنبية، و مراكزها المتخصصة في تطوير العلوم و الصناعة و الاقتصاد و البيئة بما يوفر للدولة احترامها و سيادتها و مكانتها اللائقة بها بين الدول ؟ كيف يستوعب مناشط للحياة متطورة و مشاكل حوادث و أحداث مستجدة، يضيق عنها جراب تراثه، بنظام قضائي اتسعت شعبه و مراتبه، فعرف القضاء الجالس و الواقف، و التقاضي الابتدائي و الاستئنافي و مراجعات النقض و الإبرام ؟ و اتخذت له القواعد المكتوبة المنشئة للأحكام المنظمة لمساطر الإجراءات، و استحدث فيه نظام الاختصاص في المنازعات الجنائية و المالية و التجارية و الأسرية...

ضمانا للعدل و المساواة و الحرية و الأمن و الحقوق.

إن إذا كان الإسلام قد نظم شؤون الفرد و الجماعة، في جميع مجالات العبادة و المال و الاقتصاد و العلاقات الاجتماعية، نصوصا و استنباطا من النصوص و القواعد و تنزيلا للقواعد، فمن غيرالمنطقي أن يكون قد أهمل أخطر آلية لبناء الأمة الشاهدة، و العبادة الكونية الشاملة، و تركها للعفوية و الارتجال أو للاقتباس من أمم لا تدين بدينه و لا تتجه صوب قبلته، و هذا يشير إلى عدوانية الجاحدين، و تقصير الموالين.

لكل هذا و ذاك أصبح لزاما و حتما أن يتدارك الأمر مفكرو الصحوة المعاصرة، و يبذلوا الجهود الكافية لبلورة نظام تدبيري للأمة المسلمة، منبثق انبثاقا طبيعيا أصيلا من الكتاب و السنة، و ما حمل عليهما و يقرانه.

فهل آن أن نشمر عن ساعد الجد و نقتحم العقبة لاكتشاف ما وضعه رب العباد من نظم سياسية و تدبيرية تكون لنا مرجعا و قاعدة و منطلقا ؟ إن الطريق إلى هذه الغاية شاق و طويل، و إن الزاد من العلم و التجربة ضئيل، و قد ران على البصر ما ران من الغبش و الغشاوة، أما معضلات السير و المسير فذات شعب مترامية، و مسارب في عتعمة التراث، ضاربة منها ما يتعلق بالتأسيس و البناء، و منها ما يتعلق بالتفسير و التثبيت، و منها ما يتعلق بالتطوير و التسيير و الحماية.

و ليس لنا في هذا البحث إلا أن نستهله بالاقتصار على المفردات الإرتكازية التي تمثل سدى النظام السياسي الإسلامي و لحمته، تاركين ما سوى ذلك إلى ما بعد اتضاح النهج و استواء الجادة.

ذلك أن هذا النظام إن كان مبنيا على الشورى الجماعية التي تعيد الاعتبار للجماعة و لا تخرج عن الكتاب و السنة، فإن اتضاح سبيل القاصدة المؤدية لقيام الخلافة الراشدة الثانية المنتظرة، لا يتم إلا بآليتين ضروريتين تمثلان سداه و لحمته : 1- آلية بناء هذا النظام على صعيد النظر و التطبيق، ممارسة ميدانية جماعية متساوية عادلة، و تشييدا لهياكله متينة قوية متماسكة، و تثبيتا لأركانه، حماية و تطويرا و مناضلة و مدافعة.

2- آلية الاجتهاد الخاص بملئ الفراغ التشريعي، بواسطة منهج رشيد شوروي يضع الحلول المناسبة الناجعة لما لم يرد به حكم جزئي في الكتاب و السنة، و لا يحتمل الرد إليهما بمختلف ضروب الاستنباط الأصولية عقلا و قياسا و إجماعا.

إن النظام السياسي الإسلامي يقوم على مرتكزات أساسية متينة، أساس قاعدتها العقيدة، و كل نظم حياتها مرتبطة بالأصول الشرعية – كتابا و سنة – و أي تفريط أو إفراط في القاعدة الإيمانية يؤدي إلى خلل في المنظومة كلها و لا تستقيم حياتها خارج النظام الإلهي الذي رسم الكتاب و السنة مبادئه الكلية، تاركا الفروع و التفاصيل لفهم الأمة و اجتهادات العلماء تبعا لظروف كل عصر و عرف كل فئة و لدرء المشقة عن الناس، و هذه المرونة تعطي المجتمع الإسلامي مساحة لاستيعاب المستجدات ليشكلها على ضوء أصوله و قواعده الثابتة، في نظم الحياة كلها.

و قد جعل الإسلام مسؤولية الفرد تجاه الأمة كمسؤولياته تجاه نفسه في تغيير المنكرات، إذ يتمثل هذا الأساس في إيقاظ ضمير الفرد للجماعة و ضمير الجماعة للفرد و بالتأكيد على معاني المسؤوليتين يحس الفرد إحساس البنوة و البر بالجماعة، و تحس الجماعة إحساس الأمومة و الرعاية للفرد، و ينشأ من إدراك المسؤوليتين السابقتين و الإضطلاع بهما ما يسمى بالرأي المحافظ على أداء وظيفة الإحتساب في النظام الإسلامي.

و إذا كانت منظومة القيم في المجتمع الإسلامي تقوم على الإلتزام بأحكام الشريعة فسياسة الأمة في المنظومة الإسلامية هي ما وافق الشرع بوجه من وجهه في سبيل تحقيق المصالح الجماعية و هي قائمة على أسس كالشورى و العدل و المساواة، و مصالح الأمة في المنظومة القيمية تحفظ في إطار قيمها الدينية و كل ما خالف قيم الدين و روح الشريعة و إن كانت فيه مصلحة دنيوية فهو هدم للشريعة و هدم للقيم الإسلامية النابعة من الشريعة.

فالتزام العدل هو أساس قيام الدولة الإسلامية، لأنه يتضمن تحقيق العدالة للفرد و المجتمع و الدولة و العدالة في الدولة الإسلامية، و لها رقابة داخلية تتمثل في جانبها العقدي الإيماني و رقابة خارجية يقوم بها الفرد أو الأمة و هي الإلتزام بالأحكام الإلهية في مجالات تطبيقاتها العامة التي تتكامل مع فريضة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، الضابطة للقيم الدينية و الدنيوية من الإنحراف، و توجيه المجتمع، بالرغبة و الرهبة إلى التطبيقات الشرعية فإذا ما خالفت الرعية القيم ألزمها الحاكم بأحكام الشريعة و حدودها و إذا ما خالف الحاكم الشريعة ألزمته الأمة بامتثالها و هذه هي قمة المسؤولية في النظام السياسي الإسلامي.

و بناء على ما سبق فإن كل المشكلات التي يعاني منها المجتمع الإسلامي إنما تتمثل في غياب المفاهيم الصحيحة للمنهج الإسلامي و لا يوجد حل لمشكلاتنا الإجتماعية أو الاقتصادية، أو السياسية إلا بالتفاعل مع مفاهيمنا و قيمنا الإسلامية عقيدة و شريعة و أخلاقا، و هذا يتطلب من علماء الأمة بذل مزيد من الجهد و الإخلاص و الصبر و الاحتساب.

خاتمة و توصيات : و نحن قد وصلنا إلى نهاية إبحارنا في هذه الأطروحة، لا بد من تقديم خلاصة علمية كدليل على ماهية هذا الإبحار العلمي، مع ما نصحبه من وقائع تشريعية و تاريخية و هو سجل بالغ الثراء ذات صلة بماهيته.

و مما تقدم بينا بعض الأحكام و المؤسسات و المعلم الرئيسية المتعلقة بنظامنا السياسي، و يحق لنا أن نتساءل بعد الغياب الطويل له : ما مستقبل نظامنا السياسي في تلك الأوضاع المعاصرة ؟ نستطيع أن نرصد هنا العديد من التحديات و المعوقات التي تواجه عودة النظام السياسي الإسلامي مرة أخرى إلى الواقع، و يمكن تقسيمها إلى تحديات خارجية و معوقات داخلية.

فمن التحديات الخارجية : 1- تميل كفة ميزان القوى في العالم إلى المعسكر المعادي للإسلام ميلا كبيرا، و هذه القوى ترفض بشدة عودة النظام السياسي الإسلامي مرة أخرى، بل هي التي سعت بكل قوة حتى تمكنت من إسقاط الخلافة العثمانية و تفتيتها إلى دول متفرقة.

2- رياح العولمة التي بدأت تهب بكل قواها على بلاد المسلمين، و التي تحاول أن تصهر المسلمين مع غير المسلمين في نسق ثقافي و فكري و اجتماعي واحد، و تذويب الخصوصيات و القضاء على الهويات.

3- حرص المعسكر المناوئ للإسلام على نشر أفكاره و ثقافته المتعلقة بالنظام السياسي، و تصدير نسقه الديمقراطي من حيث التصور و الآليات، و محاولة فرض ذلك بالقوة سواء بالتهديد أو باستخدامها.

و من المعوقات الداخلية : 1- سيطرة الأنظمة العلمانية على كثير من بلاد المسلمين، و موالاتهم للمعسكر المعادي للإسلام لاشتراكهما في الهدف.

2- جهل الكثير من أبناء الأمة بأحكام النظام السياسي في الإسلام.

3- إنهزامية كثير من أبناء الأمة و اغترارهم بالنظم المعاصرة.

4- قلة بل ندرة المؤلفات المعاصرة ذات الأصالة في النظام الإسلامي، إذ جل – إن لم نقل جميع – ما هو مكتوب في ذلك إنما هو متأثر – على درجات متفاوتة فيما بينها – بالفكر الديمقراطيو ما يقدمه من حلول و مؤسسات في إدارة الدولة و حل الإشكالات بين الحكومات و المعارضة.

5- قلة الكتب المنشورة مما دونه الفقهاء القدامى، إضافة إلى الحلول التنظيمية التي تقدمها تلك الكتب إنما تعالج أوضاع العصر الذي كتبت فيه.

6- ضعف عناية الدعاة بمسائل هذا الباب.

7- استمرار الكتابات الخجولة في معالجة و طرح الحلول البديلة و تشخيص العلل المسببة.

و مستقبل النظام السياسي متوقف على قدرة المسلمين على التغلب على التحديات و المعوقات، و ليس من الواضح أن يتم في المنظور القريب التغلب على تلك التحديات و المعوقات إلا أن يحدث شيء غير عادي، و لكن هذا لا يمنع من البداية و الثبات على العمل حتى يؤتي ثماره، و الخطوة الأولى في هذا المجال هي نشر العلم بذلك و إيصاله لفئات الشعب المختلفة، كل بالطريقة التي تناسبه، و هذا لا يعني أنه لا بد من الاستثمار في هذا الجانب، و قد يكون ذلك عبر الوسائل التالية : 1- بناء المواقع على الشبكة العالمية المتخصصة في هذه المسائل.

2- طباعة الكتب التي تبين تلك القضايا من المنظور الشرعي الصحيح.

3- العناية بذلك الجانب في المحاضرات و خطب الجمعة و الدروس.

4- توزيع الأشرطة التي تخدم ذلك المجال.

5- إقامة الندوات و الحوارات في المسائل المتعلقة بذلك النظام.

و عندما ينتشر العلم بتلك المسائل و يقوى بين الناس، فإنه ستظهر خطوات أخرى تلي تلك الخطوات، و الله الموفق لكل خير.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

التخصصات الرئيسية

الأديان
الدراسات الإسلامية

الموضوعات

عدد الصفحات

297

قائمة المحتويات

فهرس المحتويات / الموضوعات.

المقدمة.

التمهيد.

الفصل الأول : النظام السياسي لدى المسلمين.

الفصل الثاني : أسس النظام السياسي الاسلامي.

الفصل الثالث : الدولة في النظام الاسلامي و أركانها.

الفصل الرابع : الأحوال السياسية في جزيرة العرب و التطبيقات اللاحقة.

الفصل الخامس : النظام السياسي الاسلامي في التطبيقات اللاحقة.

قائمة المراجع.

نمط استشهاد جمعية علماء النفس الأمريكية (APA)

العكيلي، علي مزهر. (2014). النظام السياسي في الإسلام : دراسة تحليلية مقارنة حول النظم السياسية عند المسلمين. (أطروحة دكتوراه). الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك, الدنمارك
https://search.emarefa.net/detail/BIM-404305

نمط استشهاد الجمعية الأمريكية للغات الحديثة (MLA)

العكيلي، علي مزهر. النظام السياسي في الإسلام : دراسة تحليلية مقارنة حول النظم السياسية عند المسلمين. (أطروحة دكتوراه). الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك. (2014).
https://search.emarefa.net/detail/BIM-404305

نمط استشهاد الجمعية الطبية الأمريكية (AMA)

العكيلي، علي مزهر. (2014). النظام السياسي في الإسلام : دراسة تحليلية مقارنة حول النظم السياسية عند المسلمين. (أطروحة دكتوراه). الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك, الدنمارك
https://search.emarefa.net/detail/BIM-404305

لغة النص

العربية

نوع البيانات

رسائل جامعية

رقم السجل

BIM-404305