البحث العلمي السوسيولوجي بين وهم الاستهلاك المعرفي و حتمية المقاربة الواقعية

الملخص AR

تطرح الساحة التنموية المجتمعية الجزائرية في المرحلة الحالية إفرازات اجتماعية و اقتصادية خطيرة جدا تدعو فعليا إلى البحث و تحليل معطياتها و أبعادها لاسيما ما ارتبط ببعدها الإنساني التنموي و تأثيراته المختلفة على الحياة الاجتماعية للفرد الجزائري..

و في الوقت ذاته حدوثها تحت وقع حراك اجتماعي بطيء جدا أهم ما يميزه هيمنة فكر اجتماعي تقليدي شعبوي مسير للحياة الاقتصادية و الاجتماعية، و لعل الأخطر من ذلك أن كل هذا يحدث في ظل عولمة اقتصادية تنموية فرضت سياساتها على الواقع التنموي الجزائري و انعكست آثارها على الحياة الاجتماعية للأفراد، بل و أدت إلى انتشار العديد من الظواهر الاجتماعية الخطيرة كالعنف و الجريمة و البطالة و المخدرات.

هذا الواقع دفعنا إلى طرح العديد من التساؤلات الهامة جدا في اعتقادنا، و التي قد تكون كلاسيكية في نظر الكثيرين، و لكنها شرعية أيضا في الوقت ذاته، لاسيما و أنها على علاقة مباشرة بالطروحات الفكرية الكلاسيكية التي لم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الاجتماعية و الثقافية بل كانت مجرد تطبيقات ميكانيكية بفكر غريب اجتماعيا، و أيضا بدعم فكري إيديولوجي لا واقعي كان له التأثير السلبي على تجسيد تنمية مجتمعية إنسانية حقيقية لعدم قدرة المستورد منه فكريا على ملامسة الواقع الاجتماعي.

و قد نضيف في هذا الإطار بالذات أن واقع المجتمع الجزائري و عدم قدرته على إنجاز التغيرات الكيفية اللازمة لاجتياز عتبة التخلف و الانطلاق في مسيرة العصرنة و الحداثة ارتبط في اعتقادنا إلى حد كبير بعدم مراعاة خصوصية المجتمع الجزائري و جغرافيته الإنسانية و الاجتماعية أين يكون للفرد الجزائري دورا مهما و فعالا بالأخص في عملية التنمية هذه، و بالتالي ضرورة توفير المعطيات الأساسية التي تمكنه من المساهمة الإيجابية في الحركة التنموية أين يوضع موضع قوة يصبح شريكا فعالا و في الوقت ذاته يتمتع بكامل الحقوق السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية.

سنحاول إذا تقديم مقاربة سوسيولوجية معرفية تحليلية لمختلف المتغيرات التي أثرت على مسار التنمية و التي أفرزت العديد من الظواهر الخطيرة بدءا بالفقر و البطالة و انتهاكات حقوق الإنسان و غيرها، و التي تستدعي فعليا البحث فيها و حتمية ملامستها واقعيا بعيدا عن أي طرح إيديولوجي تنظيري لا واقعي من جهة، و في مقابل ذلك تقديم تحليل معرفي لواقع بحثي سوسيولوجي كان بالإمكان أن يساهم واقعيا في معالجة كل هذه الظواهر شطر التزامه بالواقعية و الابتعاد عن الاستهلاك المعرفي الجاهز.