كثافة الخبر و الإنشاء في سورة الرحمن : دراسة أسلوبية إحصائية

الملخص AR

الكلام خبر أو إنشاء فالخطاب ينهض على الخبر بوصفه نابعا من الحقيقة التي تحقق الإفادة للمتلقي و تزيل جهله بماهية شيء ما أو تبدد شكه في حقيقة ما أو تحقق له الاعتقاد و اليقين الذي لا يحتمل الإنكار لذا فإن الخطاب القرآني اعتمد على الخبر ليجيب عن تساؤلات العباد حول أمور العقيدة و الكون و العبادات و المعاملات و غيرها.

و كما أن الخبر أصبح غاية الفقيه و الفيلسوف و الشاعر و العالم ليرسو بسفينة تأملاته في الكون و الحياة و النفس و ينزل شراعها عندما تسكن رياح عقله و يهدأ شهيقه و زفيره و يزول عجبه بمعرفة جواب سؤاله و تبدد ظلمات جهله وربما يفسر هذا سبب غلبة الخبر على الآيات و السور المكية حيث سعت لترسيخ مبادئ الإيمان والوحدانية في نفوس غير المؤمنين.

كما ينهض الخطاب على الإنشاء بنوعيه: الطلبي وغير الطلبي (الانفعالي) بوصفه مدار الأوامر أو النواهي أو التساؤلات التي تدور في أذهان المخاطبين أو النداءات التي تبتدرهم للاستماع لما سيقوله المتكلم أو الأمنيات التي يرغب المتكلم في تحققها سواء كانت قريبة المنال أو بعيدة.

وقد شاعت الأساليب الإنشائية بكثرة في السور المدنية التي نزلت على مدار ثلاثة عشر عاما لتنظم شؤون الناس في الأحكام و العبادات و المعاملات و غيرها.

وينهض هذا البحث على دراسة الكثافة العددية للأسلوبين الخبري و الإنشائي في سورة الرحمن في ضوء علم الأسلوب الإحصائي الذي يعد وسيلة علمية و عملية لقياس عدد من المتغيرات الأسلوبية في الخطاب بهدف التحليل الأسلوبي الدقيق الذي يسعى للكشف عن جماليات البنى الأسلوبية في الكلام عن طريق حصر كثافتها أو مقدار دورانها و تكرارها.

وتنبع أهمية هذا البحث في أنه يحاول رصد كثافة هذين الأسلوبين و أضربهما في سورة الرحمن و أغراضهما التي يخرجان فيها على مقتضى الظاهر ليدلا على دلالات مجازية تعضدها القرائن و تستفاد من السياق محاولا الإفادة من الدراسات القليلة في هذا الحقل العلمي-أعني علم الأسلوب الإحصائي-الذي ينضوي تحت ما يسمى بالبلاغة الجديدة التي نجحت في إضفاء كثير من سمات الموضوعية و المعيارية في آن معا لكثير من مسائل البلاغة التقليدية التي تنعت بعض أحكامها بالتعميمات الخارقة ووصف الظواهر بأوصاف انفعالية أو غامضة لا تسمن و لا تغني من جوع و لا تشفي غلة المتلقي و نهمه المتواصل للمعرفة.

وقد اختارت هذه الدراسة خصوصا سورة الرحمن مدونة لها لمكانة هذه السورة التي تسمى بعروس القرآن ولتوافر هذين الأسلوبين في آياتها الثماني و السبعين و كذلك لأن معظم آياتها اعتمدت على الجمل البسيطة لا المركبة سواء كانت جملا إسمية
أو فعلية لإحصاء آلاء الله و نعمه على مخلوقاته من الإنس و الجن.

ويهدف هذا البحث لاستخلاص عدد من النتائج منها محاولة قياس كثافة الأسلوبين: الخبري و الإنشائي في السورة بوصفهما متغيرين متلازمين و قياس طبيعة البنية بين عدد من الثنائيات في الجمل الخبرية و الجمل الإنشائية و الجمل الوصفية و جمل العطف و الجمل الفعلية و قياس درجة انتشار كلا الأسلوبين أو تكرارهما في السورة.

ولتحقيق ذلك فإن هذا البحث ينهض على خطة علمية تتكون بعد ن تمهيد و ثلاثة مباحث كما يأتي:
التمهيد: يشتمل على مفهوم الأسلوب و علم الأسلوب و علم الأسلوب الإحصائي و العناصر التي يقوم عليها.

المبحث الأول: أنواع الخبر و مؤكداته و أغراضه البلاغية في سورة الرحمن.

المبحث الثاني: أنواع الإنشاء و أغراضه البلاغية في السورة.

المبحث الثالث: نسبة الخبر إلى الإنشاء و كثافتهما في السورة و دلالة ذلك أسلوبيا.

تجمل أهم النتائج و التوصيات.

ثبت المصادر و المراجع.