نحيب الذات و إشراقات الفن في أدب الغرباء للأصفهاني

Abstract AR

لأبي الفرج الأصفهاني حضور فاعل في الدارسات الأدبية و النقدية وقد دأب الدارسون على تناول أبي الفرج من خلال "الأغاني" كواحدة من كبريات المدونات التارثية في الأدب العربي بينما لم نجد في أوساط تلك الدارسات أثار يذكر ــ فيما نعلم ــ لآخر منجازت أبي الفرج محور دارستنا و هو كتاب "أدب الغرباء.

"ذلك الكتاب الذي تفرد في موضوعه و صنع منه مبدعه جدارية المغتربين الكبرى حيث جمع فيه شجو الغرباء و نبض قلوبهم الذي أصاخت له الإنسانية من خلال كتاباتهم على الحوائط و الأحجار و الأبواب و الأشجار التي قدر لها أن تحفظ في ذاكرة التاريخ على يد مغترب مبدع كأبي الفرج الأصفهاني.

و لعل الباحث يطالع نتفا متفرقة في مصادر التارث من أخبار الكتابة على الحوائط بالوسائل البدائية كالفحم وغيره كما في نفح الطيب للمقري و حياة الحيوان الكبرى للدميري و المحاسن و الأضداد للجاحظ و الفرج بعد الشدة للتنوخي وخازنة الأدب للبغدادي لكن أحد تلك المصادر لم يكن وقفا على ذلك الموضوع فضلا عن تناولهم لكتابات فئات متعددة كالمسجونين و العشاق و أصحاب المعتقدات المخالفة دينيا أو سياسيا وغير ذلك بينما تفرد أبو الفرج في تخصيص مصنفه لجمع كتابات الغرباء على ما أتيح لهم من وسائل خارجية تعينهم على البوح بمكنون صدورهم.

﴿٥٠٨﴾ )ب( و الكتابة على الجدارن و الشجر و الحجر وغيرها من مكونات الفضاء الخارجي هي صرخة مدوية في أذن المجتمع يطلقها المهمشون من ذوي المظالم و المسجونين و العشاق و أصحاب المذاهب المخالفة ممن يعانون القمع و التهميش و غالبا ما يلجأ هؤلاء إلى الغربة من باب "وداوني بالتي كانت هي الداء.

"فيتوغلون في مجاهل أخرى من التهميش و من ثم فإن كتابات الغرباء مطلب وجودي شكلته حاجتهم الملحة إلى التعبير عن أنفسهم و رغبتهم العارمة في جذب أنفسهم من أطارف الهامش إلى بؤرة المركز.

و اتخذوا إلى ذلك كل سبيل فاستعملوا ما أتيح لهم من أدوات بدائية كالفحم و الأحجار و نحوهما ليسجلوا حكمتهم و أقاصيصهم و ينددوا بالتقاليد القاسية و يبوحوا بأناتهم و يخرجوا بما وجدت به قلوبهم إلى الفضاء الرحب مدركين أثر اجتماع الكلمة و الصورة في نفوس المتلقين بما يضمن لهم تفاعل المجتع و يؤمنهم طائلة المحاسبة.

و أكاد أزعم أنه ما من قلب إلا و اكتوت سويداؤه بلفحة من هجير الغربة ما جعل موضوع الدارسة مطلبا وجدانيا ملحا فضلا نحيب الذات و اشارقات الفن في أدب الغرباء ": عن قيمتها الفنية فوسمتها بعنوان للأصفهاني.

" وقد استدعت طبيعة الدارسة لأثر قديم كهذا استخدام بعض المصطلحات النقدية الحديثة كالمتن و الهامش و الجدارية و الصورة البصرية لتعالقها مع موضوعه مع التنبه إلى ما قد يقع فيه الدارس من شرك تجاوز خصوصية آداب الأمم بالتطبيق القسري لنظريات و مفاهيم حديثة في التعامل مع نص تارثي فجاء استخدامنا لتلك المفاهيم مقترنا بوعي حيثيات النص القديم و ظروفه بما لا يأتي على اجتهاد الباحث في السعي إلى تكوين رؤية جديدة لنص قديم لتكون الدارسة حلقة من حلقات التثاقف بين الحضاارت و تلاقح الأفكار مع الحفاظ على معالم هوية النص التارثي.

)جــ ( وسعيا إلى الإحاطة بمقتضيات الموضوع فقد أتت الدارسة مقسمة على ثلاثة مباحث تسبقها تمهيد و تعقبها خاتمة وثبت بالمصادر و المارجع و فهرس للموضوعات.

﴿٥٠٩﴾ ففي التمهيد تمت الإشارة إلى المسميات المختلفة للكتاب محل الدارسة في كتب التارث مع الوقوف على بعض الجوانب في شخصية أبي الفرج الباعثة على تاليفه للكتاب فضلا عن الإشارة إلى مخطوطة الكتاب.

وجاء المبحث الأول بعنوان": إضاءة على كتاب أدب الغرباء" حيث ألقى الضوء على أهمية كتاب "أدب الغرباء" و طارفة فكرته التي عملت على جذب الهامش إلى المتن كما تناول منهجية أبي الفرج في سرد أخبار الغرباء مع توضيح المصادر التي استقى منها أخباره و الأدوات المستخدمة في الكتابة و الأماكن التي كتب عليها الغرباء إبداعاتهم مع الاستئناس بنماذج من الكتاب تدعم ما تم عرضه.

و أتى المبحث الثاني بعنوان": ملامح نحيب الذات في أدب الغرباء" حيث تناول الغربة موضحا مفهوما و جذورها التاريخية و أحصى فئات الغرباء بغية التعرف على تصنيفاتهم المكونة لذواتهم المنتحبة ثم عرض المبحث وجدانيات الغرباء المعبرة عن شجوهم و المنبعث منها نحيبهم.

بينما جاء المبحث الثالث بعنوان "الظواهر الفنية في أدب الغرباء" حيث استخلص المبحث أبرز الظواهر الفنية التي تميز بها أدب الغرباء شعار و نثار فتناول السمات الأسلوبية لنثر الغرباء و السمات الفنية لشعرهم مع إلقاء الضوء على حواريات الغرباء على الجدارن الأحجار وغيرها و اختتم المبحث بتناول النزعة القصصية في أخبار الغرباء مع سوق نماذج لكل ما تمت الإشارة إليه.