الاتجاهات الحديثة في دراسة الدولة : الجوانب البنيوية

الملخص AR

إذا كانت التحولات العالمية قد فرضت ضرورة المراجعة الشاملة لكثير من المفاهيم و الأطر و الافتراضات في العلوم الاجتماعية بما فيها علم السياسة, فإن موضوع الدولة كان الأكثر تأثيرا بهذه المراجعة ؛ ليس فقط لأنه يقع في لقب من علم السياسة, و لكن أيضا لأن مؤسسة الدولة قد شهدت تغيرا واضحا من جراء هذه التحولات.

و عليه فإن الاهتمام برصد و تحليل ما هو جديد في دراسة بنية الدولة-على الصعيدين النظري و المنهجي-منذ بداية التسعينات, يعد أمرا منطقيا بل و لازما, و ذلك هو موضوع هذه الدراسة.

في هذه المرحلة, و فيما يتعلق بجديد دراسة بنية الدولة, يمكن التمييز بيت اتجاهين عريضين : الأول هو مراجعة الأطر و المفاهيم التي كانت سائدة و ذلك بغرض تفسير ظواهر و أوضاع سابقة, ربما كان قد تم تفسيرها من قبل و أعيد تفسيرها مرة أخرى في ضوء ما وقع من مستجدات.

و الثاني يتعلق بمحاولات تفسير التغيرات التي طرأت على بنية الدولة نتيجة هذه التحولات العالمية, سواء هذه التغيرات التي ارتبطت بمؤسسة الدولة, و التي مارستها الدولة بإرادتها كنوع من التكيف مع الظروف الجديدة, أو تلك التي لحقت بأركانها (الأرض-السيادة) و بدت حتمية إلى حد كبير أو خارجة عن نطاق التحكم و السيطرة.

و مع التأكيد على أن كل اتجاه من هذين الاتجاهين قد انطوى على العديد من التفريعات أو التنويعات, فقد اتسمت في عمومها بثلاث سمات, تشكل عناصر القوة فيها.

السمة الأولى هي الاعتدال قياسيا إلى سابق دراسة الدولة أو سوابقها.

و الاعتدال-هنا-ينصرف إلى فكرة التوسط بين توجهين حديين ؛ أحدهما اشتط في الإقرار بأهمية الدولة و مركزيتها, و الثاني حاول التقليل من أهميتها و التشكيك في قيمتها.

و السمة الثانية هي استعارة أطر تحليلية من فروع أخرى في العلوم الاجتماعية و توظيفها في توليفة أو تركيبة جديدة لم تكن هي معروفة من قبل.

و السمة الثالثة : هي أن جديد هذه الاتجاهات لم يقتصر على الموضوعات فقط, و إنما تطرق إلى الأطر النظرية كما شمل أيضا النواحي المنهجية.

رغم ذلك فقد وصمت هذه الاتجاهات بعض المثالب ؛ فلم تفلت من تأثير العامل الأيدولوجي من ناحية, و لم تسفر عن نتائج تتناسب مع ما بذل فيها من جهد من ناحية أخرى, و ذلك شأن دراسة الدولة على طول تاريخها.