السلام في الإسلام : دين و فكر و تاريخ

Abstract AR

الحمد لله الذي اسمه السلام، و دينه الإسلام، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الذي جعلت تحية أمته السلام، و هو الداعي إلى دار السلام، فاللهم أنزل علينا السكينة و السلام، و حينا ربنا بالسلام.

أما بعد فإن الحديث عن السلام قد شغل الناس جميعا منذ القدم، و لكنهم لم ينعموا به حقا، إلا في ظل الدولة الإسلامية التي وفرت للناس الأمن و الأمان و السلام و الكفاية الاقتصادية، و متى حصل الاستقرار الاقتصادي تبعه الاستقرار الأمني و الاجتماعي، و عم السلام ربوع البلاد.

و لما اتسعت الدولة الإسلامية لم تزد أعباؤها بل زاد الأمن و حل.

و من هنا كانت دعوة الإسلام للسلام ليسع الناس جميعا، كما قال تعالى ((يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (1) الآية 208 من سورة البقرة، و قد حكم هذا الدين العالم بالسلام هكذا قرونا طويلة، و غزا القلوب قبل أن يغزو البلاد، و ما ذاك إلا المفهوم الصحيح للسلام، و هو : (إقامة العدل و نشر الخير للبشرية)، و السلام في الإسلام دين و فكر و عقيدة يتداخل في نسيج الشريعة، فيحرص على أرواح الناس حتى لو كانوا أعداء، فهو لا يريد أن يقتل الناس، و لكنه يريد أن يطهرهم من الأفكار الضالة، و وثنية الشرك، و جهالات الأوهام، و يعلن النبي –صلى الله عليه و سلم- نيته عن السلام و هو في أشد الضيق، من رفض المشركين لدعوته و شدة الوطأة على أصحابه، فلا يقول سوف أنتقم منهم، و سأحرقهم إذا انتصرت، و لكنه قال "و الله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله و الذئب على غنمه و لكنكم تستعجلون"، و هذه النية أيضا موجهة إلى خارج الجزيرة العربية، فذكر أنه سيفتح مصر، و لكنه لم يوص بتدميرهم، بل أوصى أن يعاملوهم بأحسن ما تكون المعاملة.

و ظلت دعوة السلام تشريعا معمولا به حتى مع الأعداء و المحاربين، فلم يهاجم النبي –صلى الله عليه و سلم- أعداءه، و لم يبتدئ أحدا بقتال، و إنما كانت كل حروبه دفاعا عن النفس.

و إذا طلب العدو السلام فعلينا أن سالمه مهما كانت حاله، وهذا المنطق غير موجود عند أحد إلا في الإسلام.

و من الناحية العملية يوضح ذلك معاملة النبي صلى الله عليه و سلم مع خالد و عمرو بن العاص، حيث كانا يقودان المعارك ضده، فبعث إليهما، أن يفكرا في الإسلام و أن يعملا عقليهما فأسلما، فلم يحاسب أحدا على ما فعله، و حتى الذين آذوه في أهله سامحهم، و قبل إسلامهم، و كذا في خارج الجزيرة العربية بدأ النبي –صلى الله عليه و سلم- علاقته مع الفرس و الروم بالسلام، فصدر رسائله لجميع الملوك بكلمة السلم، قائلا "أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين"، فماذا لو رجعنا إلى السلام و الاستقرار اللذين نشرهما الإسلام، لكي نعيش في سلام عالمي يعم الأرض كلها، لأن الحروب أنهكت اليوم الغالب و المغلوب، و السلام سوف يوفر على الجميع كل هذا الدمار.

و في الخاتمة أوجه ندائي إلى العلماء العقلاء الذين يعرفون قيمة السلام، ليوصلوا كلامهم إلى أصحاب القرار، لكي يعملوا على التوصل لسلام عالمي نحيا فيه جميعا، لأننا مقدمون على مرحلة خطيرة جدا في حياة البشرية، ربما تقودنا إلى حرب شاملة، تحرق الأخضر و اليابس، و تحرقنا جميعا، و لكن لنعلم أن العاقبة للمتقين الذين يحبون الخير و الهداية للبشرية كلها، و أن دعاة السلام سوف يعيشون في قلوب الأحرار و ضمائر الشرفاء، فلا بد أن نعمل -نحن حملة العلم- لنشر فكر السلام العالمي الذي يريد الخير لكل البشرية.

و الله الموفق و هو المستعان.