منهج ابن الحاج أبي عبد الله محمد بن محمد العبدري في التلقي و الاستدلال

Abstract AR

وقد فضل الله العلماء بفضل العلم "فبيان فضل العلم يستلزم بيان فضل العلماء، لأن العلم صفة قائمة بالعالم، فذكر بيان فضل الصفة يستلزم بيان فضل من هي قائمة به" ( [1])وقال ابن مسعود: مدح الله العلماء في هذه الآية «يرفع الله الذين آمنوا منكم و الذين أوتوا العلم درجات» ( [2])، و المعنى أنه: «يرفع الله الذين أوتوا العلم» على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم (درجات)، أي: درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به" ( [3]).

و لما كان لأبي عبد الله محمد بن محمد العبدري الفاسي المالكي المشهور بابن الحاج من شهرة و مكانة علمية كبيرة عند جمهور غفير من المسلمين في المغرب و المشرق فهو يعد مرجعا في معرفة البدع و إنكارها، بل إن كثيرا من العلماء نقل عنه ( [4])، و خاصة من كتابه المسمى " المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات و التنبيه على بعض البدع و العوائد التي انتحلت و بيان شناعتها و قبحها " ^{( [5])}فقد احببت أن أدلي بدلوي في بيان منهج الشيخ ابي عبد الله محمد بن محمد ابن الحاج ــ رحمه الله ــ في التلقي و الاستدلال⁽[6]⁾، كي يستنير به كل من ينتمي للعلم و الدعوة في طريقه، و ينتبه الغافلون، و يصحوا أهل الأهواء المفتونون.

و اقتضت طبيعة البحث تقسيمه الى مبحثين: المبحث الأول: سيرة ابن الحاج ــ رحمه الله ــ.

المبحث الثاني: منهجا التلقي و الاستدلال عند ابن الحاج ــ رحمه الله ــ.

فأقول مستعينا بالله تعالى متوكلا عليه، سائلا الله رب جبريل و ميكائيل و إسرافيل، فاطر السماوات و الأرض، عالم الغيب و الشهادة أن يهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

المبحث الأول: سيرة ابن الحاج ــ رحمه الله ــ: وسوف نتطرق ان شاء الله إلى التعريف بابن الحاج ــ رحمه الله ــ وذلك بذكر سيرة ابن الحاج، و حياته العلمية و طلبه للعلم، و مكانته العلمية، و ثناء العلماء عليه، و مؤلفاته، و وفاته.

أولا: حياة ابن الحاج: و تشمل: اسمه، و نسبه، و مولده، وكنيته و لقبه: اسمه: هو محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي، المعروف بابن الحاج ^{( [7])}.

نسبه: (العبدري) ^{( [8])}، نسبة إلى بني عبد الدار بن قصي بن كلاب، وهي نسب عائلته و يمكن أن تكون عائلته إحدى العوائل التي هاجرت أو استقرت في فاس أثناء الفتوحات الإسلامية.

(الفاسي) ^{( [9])} نسبة لمدينة فاس التي ولد فيها.

(المغربي) ^{( [10])} نسبة للمغرب التي بها مدينة فاس.

(المالكي) ^([11]) نسبة لمذهبه الفقهي، و هو مذهب الإمام مالك السائد في بلاد المغرب العربي.

مولده: لم تشر المصادر إلى تاريخ و لادته، و لكنها اتفقت على تاريخ و فاته؛ فقد ذكرت أنه توفي في سنة 737هـ، و أشارت إلى أنه بلغ الثمانين أو جاوزه، فيمكن أن يكون ^{( [12])} مولده سنة 657هـ تقريبا، أي في أواسط القرن السابع الهجري، و هو ما ذهب إليه مؤلف كتاب ذيل التقييد، و يرجحه الباحث ^{( [13])}.

ولد ابن الحاج في مدينة فاس ببلاد المغرب ^{( [14])}، و نشأ بها، و تلقى تعليمه بها ^{( [15])}.

و كنية ابن الحاج و لقبه: كني ابن الحاج بأبي عبد الله ^{( [16])}، و يمكن أن تكون هذه الكنية باسم ولده عبدالله.

و لقب بـ ( ابن الحاج) ^{( [17])}؛ إذ عرف به و اشتهر، ولم تبين المصادر سبب تسميته بهذا اللقب، و لكن بعض الأسر العلمية في المغرب العربي قد عرفت بـ (ابن الحاج).

ثانيا: حياة ابن الحاج العلمية و طلبه للعلم: لم تذكر كتب السير و التراجم شيئا عن بداية حياته الأولى، ولم تذكر شيئا عن أسرته، حيث إن هذا الأمر طبيعي يحصل في تراجم الأعلام؛ حيث إنهم لم يشتهروا في بداية حياتهم، وكل ما ذكرته المصادر أنه تلقى تعليمه بمدينته فاس؛ حيث كانت عاصمة الثقافة الإسلامية، وقد تميزت مدينة فاس في تلك الفترة بازدهار الحركة العلمية؛ فقد كانت تضم جامع القرويين، الذي انشأته أم البنين فاطمة بنت محمد بن عبدالله الفهرية القيروانية ⁽ [18]⁾، كما كانت فاس تضم كثيرا من المدارس العلمية ^{( [19])} التي استفاد منها كثير من العلماء ^{( [20])}.

ثم قدم ابن الحاج ــ رحمه الله ــ الديار المصرية، ثم قصد الحجاز للحج، ولم تذكر كذلك المصادر التاريخية تاريخ قدومه مصر.

وقد تلقى ابن الحاج ــ رحمه الله ــ العلم فسمع الموطأ على أيدي علماء مصر، و لازم علماءها حتى أصبح أحد علمائها ^{( [21])} و محدثيها و أحد المشايخ المشهورين بالخير و الزهد و الصلاح ^{( [22])}.

( [3]) الجامع لأحكام القرآن: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي تحقيق: أحمد البردوني و إبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط2، 1384هـ - 1964م، 17/299.

( [4]) فقد نقل ابن حجر عنه في فتح الباري شرح صحيح البخاري، وكما نقل عنه القسطلاني ــ رحمه الله ــ في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري وغيرهم كتير لا يحصون.

( [5]) وقد طبع الكتاب في اربع مجلدات اخرجه مطبعة التراث بالقاهرة وبدون طبعة او تاريخ و هذه الطبعة المعتمدة في البحث، وكما طبع في اربع مجلدات بمطبعة دار الفكرعام1401هـ - 1981م، و طبع في مجلدين بمطبعة المكتبة العصرية، بيروت، 2013 م، 1434هـ.

([6]) هذا البحث مستل من رسالتي للدكتوراه ( آراء ابن الحاج العقدية عرض و مناقشة في ضوء عقيدة أهل السنة و الجماعة) ( [7]) الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد العسقلاني، تحقيق محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد، الهند، ط 2، 1392هـ، 5/507.

انظر: الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن علي بن محمد بن فرحون، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث للطبع و النشر، القاهرة، 2 ( [14]) فاس: بالسين المهملة، بلفظ فاس النجار: مدينة مشهورة كبيرة على بر المغرب من بلاد البربر، وهي حاضرة البحر و أجل مدنه قبل أن تختط مراكش، وقد نسب إليها جماعة من أهل العلم، منهم: أبو عمر عمران بن موسى بن عيسى بن نجح الفاسي فقيه أهل القيروان في و قته.

( معجم البلدان: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، دار صادر، بيروت، ط2، 1995م، 4/230-231 ) بتصرف.