تقرير الحراك الاجتماعي العالمي 2020 المساواة، الفرصة و حتمية اقتصادية جديدة خارطة طريق لمجتمع جديد و اقتصاد جديد : قراءة تحليلية في ضوء المستجدات الراهنة (كوفيد-19)‎

Abstract AR

اللامساواة قضية تاريخية عايشتها المجتمعات المتعاقبة في كافة العصور، غير أنها بلغت حدودها القصوى تحت وطأة العولمة و التكنولوجيا، و من المتوقع أن تتفاقم مع الثورة الصناعية الرابعة.

فقد اتضح أن مسار الاقتصاد العالمى السائد قد أدى الى غياب المساواة و ازدياد الفقر و تعدد ابعاده سواء داخل المجتمعات أو فيما بينها.

ففي ضوء التحولات الكبرى التى يشهدها العالم اليوم لم يعد الفقر قاصرا على فقر الدخل فقط وانما امتد ليشمل فقر الفرص المتاحة للأفراد و عدم العدالة في اتاحتها، و ظهر ما يعرف بالجيل التالى أو المستجد من أوجه عدم المساواة كما ورد بتقرير التنمية البشرية الأخير.

و على الرغم من أن الدول الكبرى و أثرياء العالم لعبوا دورا أساسيا في تعميق اللامساواة العالمية، فانهم يحرصون على الاجتماع دوريا في بداية كل عام جديد في منتدى عالمى في دافوس لمناقشة القضايا المختلفة للاقتصاد العالمى.

و من بين القضايا التى تناولها المنتدى هذا العام قضية اللامساواة داخل الدول و آليات مواجهتها.

و كان من بين هذه الآليات تبنى الحكومات سياسات من شأنها تقوية الحراك الاجتماعى عبر الأجيال.

و من ثم دشن المنتدى – و لأول مرة - مؤشرا للحراك الاجتماعى العالمى يقيس قدرة الدول على اتاحة الفرص في مختلف المجالات و التى تؤدى في مجموعها اما الى قوة الحراك الاجتماعى أو ضعفه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* مراجعة: أ.

د.

م.

سهير صلاح الدين محمد، أستاذ علم الاجتماع المساعد، كلية الآداب - جامعة المنيا.

و قبل تناول هذا المؤشر و معاييره و أهم النتائج التى تم توصل اليها في تطبيقه فانه لا بد من الاشارة الى أنه فور الانتهاء من تلك القراءة التحليلية وقعت جائحة كوفيد-19 التى قلبت الأمور رأسا على عقب، و كشفت ضعف النظام العالى القائم، و ضعف منظومة الرعاية الصحية في أكثر الدول تقدما الى حد اضطرارها للاختيار بين المرضى بالفيروس الذين سيحظون بوضعهم على أجهزة التنفس الصناعى، و أصبحت هذه الدول تعيش في لحظة تفضيل بين المرضى بحسب أعمارهم في سابقة لم تحدث من قبل.

و من ثم كان لزاما اعادة مناقشة نتائج هذا التقرير في ضوء تداعيات تلك الكارثة الشاملة المعولمة، و سيتم ذلك في التعقيب الذى سيرد في نهاية تلك القراءة.

أكدت التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية أن القرن الحادى و العشرين شهد تراجعا في الحرمان الشديد و الفقر المدقع، غير أن اللامساواة في تزايد مستمر منذ ثمانينيات القرن الماضى كما أكد تقرير اللامساواة العالمى الصادر في 2018، ففي الفترة من 1980-2016 فان 1% فقط من أثرياء العالم يستحوذون على ما يعادل ضعف نصيب أفقر 50% من سكان العالم.

ولم يعد التفاوت قاصرا على الدخل فقط وانما شمل العديد من الفرص و الامكانات و ظهر ما أسماه تقرير التنمية البشرية "الجيل المستجد" من أوجه عدم المساواة مثل الفجوة في التعليم العالى، و تغذية الأطفال، و نشر التكنولوجيا و اتاحتها، و التعلم المستمر مدى الحياه وغيرها من الفرص التى كانت في السابق من الكماليات أصبحت اليوم حاسمة في التنافس خاصة في ظل اقتصاديات المعرفة.

هذه التفاوتات تتراكم مدى الحياة و كثيرا ما تعكس اختلالات عميقة في موازين القوى.

كما أن الثورة الصناعية الرابعة و ما تتضمنه من تحولات و تقنيات و رقمنه تعزز أوجه عدم المساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائية تتيح فرصا متكافئة للجميع.

وقد أدت هذه الأوضاع الى تراجع فرص الفرد في الحياة والى ضعف الحراك الاجتماعى الذى يؤدى بدوره الى مزيد من التفاوت، و من ثم اعادة انتاج اللامساواة و ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على المستويين الفردى و المجتمعى.

و من هنا كان اهتمام القائمين على المنتدى الاقتصادى العالمى بقضية الحراك الاجتماعى وتم صياغة مؤشر لقياسه، وتم تطبيقه - في نسخته الأولى - على اثنين وثمانين دولة على مستوى العالم من بينها مصر.

وكما يقول كلاوس شواب Klaus Schwab مؤسس المنتدى الاقتصادى العالمى و المدير التنفيذى له: ".

.

.

.

التحولات الاقتصادية الراهنة انما تؤدى الى زيادة تركيز الثروات و اقتصارها على حفنة من المستفيدين ممن يمتلكون التكنولوجيا و رأس المال المادى و الفكرى و اتساع الفجوة بينهم و بين الآخرين فهؤلا هم الرابحون في الأسواق الآن دون غيرهم.

فالثورة الصناعية الرابعة و ما تتضمنه من تحولات و تقنيات تعزز اللامساواة خاصة مع عدم وجود اجراءات حمائية تتيح فرصا متكافئة للجميع.

و من ثم فنحن بحاجة ماسة الى توفير ظروف ملائمة و عادلة لتعزيز و تشجيع الحراك الاجتماعى الذى لا يؤثر فقط على اندماج الأفراد في الحياة الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية، وانما يؤثر أيضا على التماسك المجتمعى و على نمو الاقتصاديات، فقد ثبت أن الحراك الاجتماعى هو عامل حاسم في تحقيق النمو الاقتصادى وأن انخفاضه يعيق هذا النمو".

و من هنا فقد دشن المنتدى الاقتصادى العالمى أداة جديدة، ألا وهى مؤشر الحراك الاجتماعى العالمى الذى يقيس قدرة الدول على تعزيز الحراك الاجتماعى بين مواطنيها و تفعيل الوسائل المساعدة لتحقيق المساواة في الفرص المتاحة.

و يهدف هذا المؤشر الى مساعدة صانعى السياسات و القادة لتفعيل و تقوية أجندة الحراك الاجتماعى بالاعتماد على أداة تفيد في التعرف على مناطق الضعف التى تحتاج الى تحسين و اتاحة فرص متساوية و ما يتطلبه ذلك من سياسات و ممارسات.