مثالية السعادة لدى الكلبية

Abstract AR

كانت الكلبية على يقين من أن سقراط توقف عند نقطة ما كان له أن يتوقف عندها، بل كان يتعين عليه أن يمضي إلى نهاية الطريق، لكنه للأسف لم يفعل، لقد قال إن الفضيلة معرفة، و لكنه توقف هنا ولم يحدد لنا طبيعة و لا نوع هذه المعرفة.

هناك حلقة مفقودة عند سقراط: قال إن الفضيلة هي الغاية الوحيدة في الحياة، فما هي الفضيلة بالضبط؟ لم يقدم سقراط إجابة شافية هنا؛ لأن التعريف الذي قدمه هو أن الفضيلة هي المعرفة، و لكن عند التمعن في هذا القول نجد أنه ليس تعريفا للفضيلة على الإطلاق، الفضيلة هي المعرفة، و لكن معرفة بماذا؟ معرفة بالفضيلة، و من ثم ننتهي إلى أن الفضيلة لدى سقراط هي معرفة بالفضيلة، حيث أصبحت مهمة الفيلسوف الكلبي تزويدنا بمعايير للحياة السعيدة، لكن الكلبية رغم كونها فلسفة ثورية لم تكن فلسفة صدامية تحاول تغيير الواقع المؤلم بالعنف و القوة، بل كانت فلسفة سلبية انسحابية، فقدت الأمل في الإصلاح الخارجي للواقع، فجعلت همها الأكبر في إصلاح الفرد من الداخل.

كانت حركة تقهقر المرء إلى ذاته يبحث داخلها عن الأمان المفقود في الخارج، فمع ضياع الحريات الفردية في هذا العصر المضطرب، أصبحت الغيبة عن الحياة الواقعية و السلبية و اللامبالاة من أهم خصائص الحياة الفكرية في هذا العصر؛ لذا جعلت الكلبية مثلها الأعلى للسعادة في الانسحاب الكامل من الحياة، و تقوقع الإنسان على نفسه، وسعيه إلى البحث عن السعادة في داخله، من خلال البعد عن كل ما ينغص عليه هدوءه النفسي و استقلاله العقلي.

لقد كان الكلبيون من أزهد زهاد هذا العصر، لا يكترثون لشيء، و لا يطلبون شيئا، و لا يملكون شيئا.