غايات الاستدلال بشعر أبي طالب في المدونات النحوية و اللغوية

Abstract AR

الحمد الله رب العالمين و الصلاة و السلام على سيد المرسلين نبي الرحمة محمد بن عبد الله و على آله الطيبين الطاهرين، أما بعد فإن الاستدلال آلية اجتهادية في استنباط الأحكام، و تخريج الفروع من الأصول، و يعد طريقا موصلا إلى معرفة الأحكام بقواعد مبنية على براهين، و حجج يجتمع فيها العقل و النقل، علاوة على كونه وسيلة موصلة إلى القرائن الترجيحية التي يحتاج إليها في ضبط القواعد اللغوية (1).

و قد تنوعت ضروب الاستدلال بما يقتضيه منهج كل علم من العلوم ، فعلم أصول الفقه أقسام تتضمن استدلالاته (۲) : الشماع، و القياس، و الإجماع، و العلة و غيرها من الاستدلالات الأخرى كالاستحسان، و الاستصحاب، أما علم الكلام فتنقسم ضروب استدلاله على ثلاثة أقسام (3) : البرهان الكلامي، و التأويل، و التفويض، في حين أن المناطقة اعتمدوا في استدلالاتهم على ثلاثة أضرب (4) : القياس، و الاستقراء ، و التمثيل أما علماء العربية فكان عملهم اللغوي يرتكز على وسائل متعددة من الاستدلال، منها : الاستدلال النقلي، و الاستدلال بالقياس، و الاستدلال بالنظير و عدمه، و الاستدلال بالصبر و التقسيم، و غيرها من الوسائل ؛ و هذا من أجل أن يعتمدوا عليها في إثبات القواعد الكلية و أحكامها، و ما يطرأ على القاعدة من توجيه، أو خروج عليها، و اعتنوا بهذه الوسائل عناية فائقة، فوضعوا ضوابط اجتماعية، و مكانية، و زمانية للسماع (5)، و قد تناول هذا البحث (غايات الاستدلال بشعر أبي طالب في المدونات النحوية واللغوية)، و يعود أكثر من سبب في اختيار شعر أبي طالب، و من ذلك أن شعره داخل في ضمن المدة الزمنية التي حددها اللغويون في الاستدلال بالنصوص الشعرية التي هي منتصف القرن الثاني الهجري، علاوة على هذا فقد وقف النقاد القدماء أمام شعر أبي طالب موقف إجلال و تعظيم، و من هؤلاء ابن سلام الجمحي (ت٢٣١ه)، إذ قال : «و كان أبو طالب شاعرا جيد الكلام، أبرع ما قال قصيدته التي مدح فيها النبي صلى الله عليه : و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ربيع اليتامي عصمة للأرامل .

و سألني الأصمعي عنها، فقلت صحيحة جيدة....

»(6)، و قال ابن كثير (ت774ه) : « هذه قصيدة عظيمة بليغة جدا لا يستطيع أن يقولها إلا من نسبت إليه، و هي أفحل من المعلقات الشبع، و أبلغ في تأدية المغنى فيها جميعا»(۷)، كذلك كان ترداد شعر أبي طالب في مسائل متعددة من أبواب النحو، و الصرف، و بيان دلالة الألفاظ، و قد غرف بالفصاحة والبلاغة، و ملازمته للنبي محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) في أثناء نزول الوحي فجاءت أكثر أبياته سامية ؛ لسمو من قيلت فيه و هو نبي الرحمة محمد (صلى الله عليه و آله و سلم)، فكانت تعبر عن صدق عاطفة من غير تكلف، فألفاظ أبياته الشعرية سهلة خالية من التعقيد اللفظي و المعنوي، كذلك كان فصيحا في نثره، و من ذلك قوله حين تقدم لخطبة السيدة خديجة رضوان الله عليها للنبي (صلى الله عليه و آله و سلم) : «الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم و ذرية إسماعيل، و جعل لنا بيتا معمورا و حرما آمنا تجبى إليه ثمراث كل شيء، و جعلنا الحكام على الناس في مؤلدنا الذي نحن فيه، ثم إن ابن أخي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، و لا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه، و إن كان في المال قلة فإن المال رزق جاء و ظل زائل، و له في خديجة رغبة و لها فيه رغبة، و الصداق ما سألثم، عاجله و آجله من مالي، و له خطر عظيم و شأن شائع جسيم.

»(۱)، و قد قسم البحث على مدخل تحدث فيه الباحث عن الاستدلال في المنظومة النحوية و اللغوية، ثم قسم البحث على وفق غايات الاستدلال بشعر أبي طالب التي وردت في المدونات النحوية و اللغوية، و هي سث غايات : ۱- توثيق القاعدة النحوية المطردة، أو توثيق الوجه الشائع الذي عليه أكثر النحويين .

٢- تقوية حكم ما يجوز على القاعدة المطردة.

۳- توثيق النادر من القاعدة أو ما يؤول على الضرورة.

4- التوثيق على صحة مذهب نحوي أو الاحتجاج لنصرة وجه نحوي على وجه آخر.

- توثيق المسائل الصرفية سواء أكانت قياسية أم غير قياسية.

6- توثيق المعاني المعجمية، ثم أختتم البحث بخاتمة سطر فيها الباحث أهم ما ابتغاه من كتابة هذا البحث.