تأثير الحرب الروسية-الأوكرانية في الجيوبوليتيك الأوروبي: دراسة حالة الاتحاد الأوروبي

Abstract AR

لم تكن مشكلة الاتحاد الأوروبي في الأصل اقتصادية، بل تكمن في عدم وجود جيش أو قوة دفاع مشتركة حتى الآن، حيث لم يتقن بناء الأدوات العسكرية الضخمة للحفاظ على أمنه الجماعي، ولا يمتلك سياسة دفاعية مشتركة، وعملياته العسكرية وشراكاته متواضعة الحجم، مقارنة بتلك التي يمتلكها «الناتو»، لأن الاتحاد الأوروبي في غرضه ومفهومه الأساسي أنه ليس تكتلا عسكريا، وإنما سوفا اقتصادية مشتركة.

لذلك لا تجمع دول الاتحاد الأوروبي على رؤية جيوسياسية واحدة تجاه المهددات والمخاطر، فالمطالب الفرنسية - على سبيل المثال - بضرورة أن تستيقظ أوروبا، وتتبنى سياسات أكثر استقلالية وأقل تبعية للولايات المتحدة، وإنشاء قوة عسكرية عالمية ثالثة في عالم ثلاثي الأقطاب، لم تجعلها تتخلى عن التزاماتها تجاه الناتو من خلال نشر قوات في رومانيا وإستونيا كما تواصل دول بولندا ودول البلطيق والبلقان والدول الاسكندنافية اللجوء إلى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لحمايتهم، رغم تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية.

يبدو أن تأثير الحرب كان كبيرا في الجيوبوليتيك الأوروبي، فقد بدأت التغيرات تتضح من خلال انعطافة للسياسة العسكرية الألمانية في تخصيص 100 مليار يورو لتعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة الألمانية من أجل ضمان الحرية والديمقراطية الألمانية كما يقول المستشار الألماني شولتس، وزيادة الإنفاق الدفاعي لأكثر من 2 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، بدلا من 1.5 بالمئة، مما يشير إلى تغيير في المفاهيم التقليدية للجيوبوليتيك الألماني الذي يمكنه التأثير في اهتمامات المزيد من دول الاتحاد الأوروبي مثل الدنمارك التي تراجعت عن موقفها القديم، وأعلنت عن احتمال انضمامها إلى سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي، غير أنه من المتوقع أن تساهم الولايات المتحدة وتدعم الموقف الجيوسياسي الجديد للاتحاد الأوروبي بوصفه ذراعا جغرافيا واقتصاديا للتعاون الأمني عبر المحيط الأطلسي.

إن الحرب الروسية - الأوكرانية مثلت بمقدماتها ونهايتها رؤية جيوسياسية جديدة لدى دول الاتحاد الأوروبي، لا تستطيع غض البصر عن الصين التي أصبحت شريكا تجاريا أساسيا الدول الاتحاد الأوروبي، قد يصل إلى مستوى شبيه بعلاقتها التجارية بواشنطن التي وصلت على البنى التحتية الحيوية في أوروبا كالموانئ البحرية والتجارة البينية، وهو ما أجبر أوروبا على العودة للنقاش حول مستقبل أوروبا في ظل المعطيات المستجدة، وأن التحولات المفاهيمية بدأت تأخذ مكانها في الفكر السياسي الأوروبي، وارتفعت الأصوات المطالبة باتباع استراتيجيات جديدة وإيجاد بدائل مستقلة عن الحماية العسكرية الأمريكية، من خلال تغيير بعض المفاهيم الجيوبولوتيكية القديمة التي تعمل على الاعتماد كليا على الناتو والولايات المتحدة كما يلي : - أن يتفق على استراتيجية أوروبية موحدة تمنع روسيا من ضم أوكرانيا إليها.

أن يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى قرار موحد حول مستقبل الدفاع عن أوروبا عسكريا أمام المهددات الحالية والمستقبلية أم أنها ستبقى تعتمد بالكامل على حلف الناتو والولايات المتحدة.