الذائقة الفنية بين بيئات التلقي الحية والفضاءات الإلكترونية: نموذج الأنساق الموسيقية

Abstract AR

إن تميز العمل الفني لا يكمن فيما يروى من حقائق، بقدر ما يكون في الطريقة التي تعرض بها هذه الحقيقة الفنية، وكلما حظي العمل الفني بمناخه الأصلي في مختلف مراحل الصناعة والعرض والتلقي؛ زادت قيمته وزادت القيمة المضافة بالنسبة للعنصر البشري، باعتبار الفن حاجة إنسانية.

إنما مع تسارع أسلوب الحياة في التبدل، وبلوغنا الزمن الإلكتروني الذي يسنده الذكاء الاصطناعي، أصبح الإبداع الفني الموسيقي، كنموذج لباقي المنتجات المتصلة بالإبداع البشري؛ سلعة تباع وتشترى وتستغل تجاريا، ما حور الصناعة الفنية الموسيقية عن سياقها، وحيد الاستعداد الذائقي السوي عن ظروف اتقاده، بحياد تلك الأعمال في أغلبها عن مخاطبة الروح الفنية الذواقة، وركونها إلى اللعب على عامل الإمتاع، عبر تهييج الغرائز أكثر من شيء آخر، الوضع الذي أخرج العملية عن المألوف؛ بانتقالها من الفضاء التفاعلي الحي بين البشر إلى فضاء الآلة والتقنية.

سيكون المنهج الوصفي التحليلي الأنسب في تتبع تدفق أفكار هذه المحاولة البحثية، إذ بتتبع إقبال الأجيال الصاعدة على هذا العالم الجديد دون وعي كاف، فالتحدي المربك، هو وجوب لجم ما يخلفه من شرود، ولو بنجاح نسبي، لصون ما بقي؛ بعدما أفرغ الإنسان؛ بالأخص العربي، من كثير من محتواه الحضاري، وافتتانه بما يرده من الآخر الذي في غالبه غربي، الأمر الذي عقد عليه الاتصال بمورداته الهوياتية، وأصابه بشبه انفصام في الحالة الشعورية الفنية.

أما السبب الإضافي للقلق، مصدره أن ما سيحدث في المستقبل الرقمي، هو مزيد من التقليل من شأن المواقف الحية وتهميشها والحد منها.