الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية و الإسلام

Author

ضياء علي عبد الرضا

Source

مجلة اللغة العربية و آدابها

Issue

Vol. 2010, Issue 10 (30 Nov. 2010), pp.282-302, 21 p.

Publisher

University of Kufa Faculty of Arts

Publication Date

2010-11-30

Country of Publication

Iraq

No. of Pages

21

Main Subjects

Comparative Literature

Topics

Abstract AR

كلما كانت الكلمة ذات قوة و سحر و تأثير فهذا يعني أنها صادرة عن تجربة صادقة و واقع كان قد شهده المتكلم بكل جوارحه و في هذه الحالة لا يجد المتكلم عناء لإيصال ما عنده إلى الجمهور و ليس به حاجة إلى التكلف حتى يؤثر في سامعيه.

و أن هذه العلاقة الجدلية بين الكلام و المتكلم تختصر إلى الجمهور فهم ما يُراد فهمه مع شيء من التفاعل مع الأفكار المطروحة.

و إذا كان الكلام في أي مسألة من مسائل الحياة يقتضي هذه الملازمة بين الكلام و المتكلم فإن الكلام في المعاني الغيبية و الخوض فيها لا بد لكي يفعل فعله الغيبي أن يصدر عن ذات معده إعدادا مناسبا لهذه المعاني إذ لا يصح الكلام عن حقائقنا الدينية قبل أن نطهر ذواتنا و إلا فسوف تفتقر كلماتنا–حتما-إلى القوة و التأثير و هذا مبحث يطول لا يحتمله المقام هنا.

على أن اثر الكلمات الغيبي في الأشياء يعود بنا إلى ماضي الإنسان السحيق في عالمه البدائي يوم كان التصور و التفكير يصدران عن عفوية الإنسان و صفاء طويته فكانت الكلمات ذات قوة غيبية تفعل فعلها في الأشياء و يستعان بها لدفع الأذى و التحصن ضد قوى الطبيعة (فالإنسان الأول رأى في الكلمة أول قوة حية يستطيع بها أن يدفع أذى الطبيعة الحية و الصامتة و أن يعيش معها في انسجام.

و حين أدرك بتجربته أن لمظاهر الطبيعة قوى كامنة فيها لها القدرة على ضره و كانت الكلمة دائما هي القدرة على التحكم في ال(Mana) أو الروح الكامنة في الأشياء فتمنهعا من العمل ضده فلم تتغير قداسة الكلمة و للكلمة الشعرية عند العرب اعتبار خاص في التأثير بكون صياغتها و مضمونها معا.

فأما الصياغة فلها إيقاعها الموزون المؤثر في الوجدان الأمر الذي جعلهم يصطلحون على قول الشعر بالإنشاد فيقولون أنشد فلان و أما المضمون فيحمل في إخضاعه السحري أثرا غيبيا ينبثق عن حالة وجدانية خاصة يمر بها الشاعر دون سواها و هي أقرب إلى اللاوعي منها إلى الوعي و يكون الشاعر فيها تحت تأثير قوة خارجية تتحكم في عملية الإبداع و لهذا جاءت اللغة الشعرية إفرازا لهذه الحالة الغيبية ((فكل لغة شعرية تبدأ بكونها لغة أسرار بمعنى خلق عالم شخصي عالم منغلق على نفسه تماما)).

و لم يكن بعيدا عن تصور العرب في ذلك المجتمع الجاهلي أن الكلمة وسيلة الخلق المتحكمة بوجدان الأفراد و طالما قرنوا فعلها بفعل الحجر و جعلوا لها وخزا كوخز الإبر و اعلوا من شأن البيان و اكبروا أهله حتى صار البيان عندهم فخرا من مفاخرهم التي عرفوا بها بين سائر الأمم.

و صار للكلمة وقع مؤثر في النفوس لعله يعود بنا إلى دلالتها الحسية المشتقة من الكلم و هو الجرح كما جاء في المعاجم اللغوية العربية و كلمه بكلمة كَلْما و كلَّمه كلما : جرحه و رجل مكلوم و كليم، قال : عليها الشيخ كالأسد الكليم و الكِلام : الجراح.

و قد جاء استعمال الكلمة بمعنى القصيدة في قولهم : قلتُ في فلان ((كلمة)) فكأن القائل يريد : أنني قلت من الكلام ما يؤثر في النفوس.

و بهذا يكون الشعر من أظهر الوسائل البيانية المؤثرة، و كان لا بد من الاستعانة به لسد فراغ غيبي عند العرب في جاهليتهم و لم يُشغَلْ حتى ظهور الإسلام بغير السحر و العرافة و الكهانة.

و لكلٍّ من هذه الأعمال الغيبية وظائف ذات آثار غيبية لا تُنكر في واقع العرب الجاهلي.

و الله أعلم.

أما أثر الكلام الغيبي في الإسلام فواضح كل الوضوح في الآية الكريمة (و لو إن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ...) ؛ و في خطبة المتقين للإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب تجلي واضح الأثر الغيبي المحسوس في السامع، و في الرواية (لا يرد القضاء إلا الدعاء) دليل قاطع على رد الأثر المحسوس بسبب غيبي، و هذه الأمثلة تمثل القمة في بلاغة البيان العربي الذي يكمن سره البلاغي في بلاغة المتكلم و على قدر فضله يأتي فضل كلامه و تأثيره في السامع المخاطَب، و لكن هذا التأثير مشروط بالمعرفة و إلا فلا يمكن أن يتجلى أثره على السامع و المحجوب عن الله بالذنوب و المعاصي ؛ و هذا الحجاب الذي يمنع انعكاس النور الإلهي على القلوب هو الذي يُفقد السامع المحجوب تذوقه بيان المتكلم و يحرمه من نور هداه، و لا عجب حينئذ إذا صار كلام الخالق عنده مثل كلام المخلوقين.

و في الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام انه كان كلما قرأ القرآن يقول سمعت ربي وقرأ ذات مرة آية و رددها فأغمي علية و لما سُئل عن سر ذلك قال : (لقد تجلى الله في القرآن و لكن لا تبصرون و الله ما زلت ارددها حتى سمعتها من قائلها فغشيني ما غشيني من هيبتها).

و هذا هو مصداق سر التأثر ببلاغة و هيبة المتكلم عند العارفين بالله حق معرفته.

و الله أعلم.

اللهم اجعلنا ممن ناديته فأجابك و لاحظته فصعق لجلالك و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و اله الطيبين الطاهرين.

American Psychological Association (APA)

ضياء علي عبد الرضا. 2010. الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية و الإسلام. مجلة اللغة العربية و آدابها،مج. 2010، ع. 10، ص ص. 282-302.
https://search.emarefa.net/detail/BIM-249522

Modern Language Association (MLA)

ضياء علي عبد الرضا. الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية و الإسلام. مجلة اللغة العربية و آدابها ع. 10 (تشرين الثاني 2010)، ص ص. 282-302.
https://search.emarefa.net/detail/BIM-249522

American Medical Association (AMA)

ضياء علي عبد الرضا. الآثار الغيبية في الشعر بين الجاهلية و الإسلام. مجلة اللغة العربية و آدابها. 2010. مج. 2010، ع. 10، ص ص. 282-302.
https://search.emarefa.net/detail/BIM-249522

Data Type

Journal Articles

Language

Arabic

Notes

يتضمن هوامش : ص. 298-300

Record ID

BIM-249522