ميثاق التكامل بين جمهورية مصر العربية و جمهورية السودان الديمقراطية : انموذجا لدراسة العلاقات المصرية السودانية

Abstract AR

إن ميثاق التكامل المتفق عليه بين مصر و السودان لم تتوفر فيه الشروط التي تضمن نجاح أي مشروع وحدوي و التي أهمها استناد الإتفاق أو المشروع الوحدوي على أسس علمية و عملية متينة و دائمة مستوعبة لاحتياجات الظرف الذي تمر فيه معبرة عن روح العصر من اجل ضمان سيرها في الاتجاه الواضح السليم و توفير أسس الحماية لهذا الاتفاق بخلق القاعدة الجماهيرية التي تتحمل مسؤولية الدفاع عنه و انجاحه و حماية خطه من الانحراف و السقوط تحت كل الظروف و هذه الشروط لم تتوفر في الميثاق، لذا فإن إفساح المجال للجماهير بالعمل و التنظيم شرط أساسي لحماية مسيرة أي اتفاق وحدوي.

كما ان الإنجازات التي تمت لا تتناسب مع حجم الإدعاء الذي كان مطروحا، فبالرغم من أن مشروع التكامل بين البلدين اتسعت مجالاته و تشعبت حتى غطت نواحي الحياة كافة.

إلا أن مشاريعه كتب لبعضها فقط النجاح، و كتب لبعضها الآخر أن يخرج فقط إلى حيز الوجود، و لم يكتب لبعضها الآخر النجاح.

تميزت الفترة الأخيرة من حكم نميري بفتور واضح في العلاقات بين البلدين، بدأت بالإعلان المفاجيء لقوانين الشريعة الإسلامية عام 1983 التي كانت لها انعكاساتها على الخارطة السياسية المصرية و توازناتها، إذ أن النميري انفرد بإعلانها و السير نحو تطبيقها دون مشاورة مصر مخالفا بذلك السياسة الموحدة التي تم الإتفاق عليها في ميثاق التكامل، فضلا عن تدهور الاحوال الأمنية في جنوب السودان بعد تقسيمه إلى أقاليم و ما نتج عنها من تطورات تسببت في توقف العمل في قناة جونقلي ذات الأهمية الكبرى بالنسبة لمصر، و إزاء تلك التطورات السلبية في العلاقات السودانية المصرية انقسمت القيادة المصرية على نفسها تجاه نظام نميري في فترته الأخيرة.

إن الصيغة التي تم بها تحقيق اتفاقية التكامل بين البلدين و الظروف التي تمر بها الأمة العربية و الأفكار التي تحاول أن تروجها الفئات و الجهات المعادية، و ما حمله الشعب السوداني من أفكار تولدت نتيجة لتصرفات و نزعات نظام نميري كل ذلك أدى إلى مطالبة السودانيين لإعادة صياغة كافة الاتفاقيات التي سبق و أن أبرمها السودان مع مصر في ظل حكم نميري المخلوع لتصاغ مجددا على أسس جديدة حتى لا يستمر العمل باتفاقيات أبرمها نميري الذي لا يثق به الشعب السوداني.

مما لا شك فيه أن مصلحة البلدين و الشعبين تتطلب مثل هذه الاتفاقية نظرا للروابط التاريخية و الجغرافية، و لكن لا بد أن تكون الإرادة الشعبية هي المعبر عن الرغبة أو عدم الرغبة في إقامة تكامل اقتصادي، و ان ممارسة الشعب لإرادته و قيامه بالتعبير عنها لا يتم إلا في ظل ديمقراطية حقيقية.

لم يكن لدى النظامين المصري و السوداني نوايا حقيقية في رسم مسار المشروع بين البلدين، بل كان لكل طرف له مصالحه، يروم تحقيقها على حساب الطرف الآخر سواء كان ذلك سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا.