أثر استقلال الرقابة الشرعية على التزام المصارف الإسلامية يالأحكام الشرعية

Abstract AR

الحمد لله، و الصلاة و السلام على رسول الله، و بعد : فأن مما لا شك فيه هو أن المصارف الإسلامية أصبحت حقيقة و واقعا ملموسا، لا يمكن لأحد إنكارها أو إغماض عينيه عنها، و ليس أدل على ذلك من أن المصارف الربوبية اضطرت إلى فتح أقسام متخصصة بالتعامل غير الربوي مع زبائنها الراغبين بمثل هذا النوع من التعامل.

و يمكننا حصر السبب في نجاح هذه المؤسسات المالية الإسلامية بالتزام معظم المستثمرين من أبناء هذه الأمة بأحكام الله سبحانه و تعالى، لا سيما بالنسبة لهذا المحظور الشرعي الذي توعد الله بإعلان الحرب على مرتكبه (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله و رسوله) و ما من شك في أن مؤسسة تلتزم بمثل هذا النوع من الحكم الشرعي، لا بد أن تكون له مرجعية شرعية توجهها وفق ما تمليه عليها أحكام الله تعالى، و هذا هو ما دفع بهذه المصارف لإنشاء مرجعية شرعية لها (جهاز الرقابة الشرعية) فردية كانت أم جماعية.

و موضوع بحثنا هذا يهدف إلى بيان مدى تأثير استقلال جهاز الرقابة الشرعية في المصارف الإسلامية على التزام هذه المصارف بأحكام الله سبحانه و تعالى في تعاملاتها المصرفية بشكل عام، و في العقود التي تبرمها –سواء كانت لها أم عليها- بشكل خاص.

و لقد اعتمدت في جمعي لتلك المعلومات على أسلوبين هما التقصي و الاستقراء، معتمدا فيه على النشرات و الدوريات و التقارير السنوية الصادرة عن بعض تلك المصارف أولا، و على بعض اللقاءات و المقابلات التي أجريتها مع بعض لجان الرقابة الشرعية لبعض المصارف الإسلامية –سواء تم ذلك أثناء الفترة التي كنت أعد دراستي لمرحلة الدكتوراه، أو خلال الندوات و المؤتمرات التي تم عقدها من المؤسسات المالية الإسلامية و التي شاركت فيها- ثانيا.

و لقد أظهرت نتائج البحث أن لجهاز الرقابة الشرعية دورا كبيرا و فعالا في تمسك المصارف الإسلامية بأحكام الله سبحانه و تعالى –من حيث الحل و الحرمة- رغم أن جل ذلك الدور يقتصر على الرقابة السابقة ((pre-Audit)) دون رجوع معظم أعضاء تلك اللجان إلى الأوراق المالية و المستندات للتأكد من تفعيل فتاواهم و تطبيقها على الواقع، و الاكتفاء بإصدار الفتوى و بيان الرأي فقط.

كما أوضحت في هذه الدراسة أن معظم لجان الرقابة الشرعية تتمتع باستقلالية تامة عن إدارات هذه المصارف و مجالسها الإدارية، مما منحها قوة في قراراتها، و عدم محاباتها لأية جهة –مهما قوى نفوذها على هذه المؤسسة أو تلك- على حساب شرع الله تعالى.

و منحها أيضا القوة و النفوذ للقيام بعمليات الرقابة الفحص و التدقيق للتأكد من مطابقة معظم أعمال المصارف التي تشرف عليها الأحكام الشريعة الإسلامية، و إيقاف أية عملية أو صفقة تجارية تريد المصارف عقدها، إذا ما كانت مخالفة لشرع الله.

و توصلت الدراسة أيضا : إلى أن هذه اللجان تستمد قوتها –بعد الله تعالى- من المساهمين أنفسهم في الاجتماع السنوي للجمعيات العمومية، باعتبارها هي الجهة التي تحدد أتعاب و مستحقات هذا الجهاز، دون تدخل من إدارات المصارف في ذلك، مما يعطي هذا الجهاز قوة دفع إضافية، تجعله بعيدا كل البعد عن رغبات الإداريين و نزواتهم الخاصة، و التي طالما أدت مثل تلك الرغبات إلى جر هذه المصارف للوقوع فيما هو محظور شرعا.