حروف الجر بين الأصوليين و اللغويين

Abstract AR

إن من أجل العلوم قدرا و أعلاها شأنا، " علم أصول الفقه " هذا العلم الذي ازدوج فيه العقل و السمع، و اصطحب فيه الرأي و الشرع، لأخذ من صفو الشرع و العقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول الذي لا يتلقاه الشرع بالقبول، و لا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالشديد و التأبيد.

و هو قاعدة الأحكام الشرعية، و أساس الفتاوى الفرعية التي بها صلاح معاش المكلفين، و فوزهم في الدنيا و الدين.

و هو السلاح المضاء، و المفتاح السديد في يد الباحث، و العالم، و الفقيه، و المجتهد، و المفسر، و المحدث، لا يستغني عن أي منهم.

و هو علم يقوم على كثير من المبادئ المنطقية و القواعد اللغوية و مفهومات الشريعة و مقاصدها يربط النتائج بالمقدمات، و يبحث عن علل الأحكام، و يتدرج في عرض المصادر بحسب قوتها الشرعية، و يتناول الدلالات، و المباحث اللغوية بترتيب منطقي، و سياق عقلي.

و لله در الإمام أحمد بن حنبل-رضي الله تعالى عنه-حيث وصف الإمام الشافعي-رضي الله تعالى عنه-واضع علم أصول الفقه-بقوله : الشافعي " فيلسوف في أربعة أشياء : في اللغة-و اختلاف الناس-و المعاني-و الفقه ".

هذا و لما كان (الفقه) مستندا إلى الكتاب و السنة، و يحتاج الفقيه في أخذه منهما إلى قواعد، جمعت تلك القواعد في علم أصول الفقه و هي تسمية صحيحة، مواقف لتوقف الفقه عليها، و تلك القواعد منها ما لا يعرف إلا من الشرع و منها ما لا يعرف إلا من اللغة بزيادة على ما تصدى له النحاة، و اللغويون.

لذا فإننا آثرنا اختيار هذا الموضوع حروف المعاني الذي اخترنا منه حروف الجر لما له من أهمية كبيرة في جميع المباحث الأصولية فضلا عن اللغوية، و مع هذا فقد رأينا في أثناء دراستنا، و مطالعتنا للكتب المخطوطة، و المطبوعة القديمة و الحديثة عدم تناول هذا الموضوع من قبل جميع العلماء على غرار واحد، فالبعض أعرض عنه و أحجم، و البعض الآخر اختصر و أوجز، و البعض الثالث أسهب و أطنب، لذا أثرنا تقديم بحث نجمع فيه أقوال الأصوليين و اللغويين في الموضوع مع إخراجه بأسلوب سهل بليغ، و ثوب جديد و جزالة أسلوب الحديث بحيث يجد فيه العالم مبتغاه و المبتدئ مطلبه.