حالة الضرورة : دراسة مقارنة في القوانين الوضعية و الشريعة الإسلامية

Dissertant

الزيود، محمد فارس

Thesis advisor

خلف، محمد محمود

Comitee Members

فرعون، هشام
نمور، محمد سعيد نمور
محمد شريف أحمد

University

Al albayt University

Faculty

Faculty of Law

University Country

Jordan

Degree

Master

Degree Date

2000

Arabic Abstract

يوضع الإنسان أحيانا تحت ظروف مختلفة تلجئه إلى ارتكاب أفعال لم يكن ليرتكبها لو لم يوضع في مثل هذه الظروف، و تشكل هذه الأفعال جرائم يعاقب عليها القانون و لكن تحول هذه الظروف دون مسائلة الفاعل جنائيا عن أفعاله، و هذه هي ما تعرف بحالة الضرورة موضوع رسالتي هذه، و قد قمت بتقسيم هذه الرسالة إلى ثلاثة فصول بالإضافة إلى الفصل التمهيدي و الذي عنون بتعريف حالة الضرورة و تطورها التاريخي، فتناولت فيه تطور حالة الضرورة و تعريفها القانوني و الشرعي، لقد عرفت حالة الضرورة منذ العصور القديمة فعرفها القانون اليوناني و الروماني و الكنسي و وجدت لها عدة تطبيقات، كما عرفتها الشرائع السماوية الإسلامية و المسيحية و اليهودية و وجدت لها تطبيقات كثيرة خاصة في شريعتنا الإسلامية بالشكل الذي جعلها تفوق ما ذهبت إليه القوانين الوضعية و هذا واضح عن خلال النصوص القرآنية و الأحاديث النبوية الكثيرة حول هذا الموضوع.

و عرفت حالة الضرورة القانونية بأنها ظرف خارجي ينشا بفعل الإنسان أو الحيوان أو الطبيعة يصل خطرا جسيما و حالا مهددا لنفسه أو ملكه أو لنفس الغير أو ملكه، و لم يكن لإرادته دخل في حلوله و ليس بإمكانه دفعه بوسيلة أخرى و لا يجد سبيلا لذلك إلا بارتكاب الجريمة.

أما تعريفها الفقهي فهي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخشى حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالمال و توابعه، و يتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعا للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع.

و في الفصل الأول تناول أساس حالة الضرورة و طبيعتها القانونية و ذلك بمبحثين خصص الأول لأساس حالة الضرورة بينما خصص الثاني لطبيعتها القانونية : المبحث الأول : أساس حالة الضرورة : تعددت الآراء الفقهية حول أساس حالة الضرورة و هذا نابع في الأصل من اختلافهم حول طبيعتها القانونية (تكييفها القانوني) و من أقدم الآراء التي قيلت لتعليل حالة الضرورة هو الإكراه المعنوي و يرى أنصاره أن الإنسان و إن تمتع بحرية الاختيار في تصرفه إلا أن حريته ضاقت إلى آدني حد ممكن و بالتالي كانت إرادته منقادة لمثل هذا التصرف، و انتقدت هذه النظرية لتعارض فكرة الإكراه مع الحرية فلا تلتقيان معا، فإما الإكراه و إما حرية الإرادة، كما أنها تضع عبئا على القاضي ليتعرف على حقيقة إرادة الجاني و هذا ليس بالأمر الهين، و من الآراء الأخرى في تعليل حالة الضرورة هو انتفاء المنفعة من العتاب، فالهدف من العقاب هو ردع الجاني ليكون عبرة لغيره و في حالة الضرورة لن يتحقق ذلك لانتفاء الخطورة الإجرامية لدى الجاني، و يعاب هذا الرأي باعتبار أن الفائدة من العقاب ليست فقط هي المطلوبة بل إحقاق العدل مطلوب أيضا.

و يعلله البعض بانتفاء القصد الجنائي لأن الجاني لم يكن يقصد من فعله الإضرار بالغير و إنما أراد حماية نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله، و انتقد هذا الرأي أيضا لخلطه بين الباعث و القصد الجنائي.

و الرأي الأخير و الذي تزعمه هيجل و الذي يعلل فيه حالة الضرورة استنادا لفكرة تضارب المصالح و يرى أن حق الحياة أسمى من سائر الحقوق الشخصية، و في حال تعارضه مع غيره من الحقوق يكون له الأولوية في الرعاية و الحماية، و انتقدت هذه النظرية لأن التضحية بحق في سبيل صياغة حق آخر أمر نسبي و مختلف تبعا لاختلاف الظروف، و ما ينطبق على حق الحياة ينطبق على الحقوق الأخرى كحق الملكية.

و رجحت فكرة الإكراه المعنوي لتعليل حالة الضرورة باعتبارها مبررة لجميع حالات الضرورة، و لأن إرادة الجاني كانت في أدنى مستوى لها بمعنى إنها لم تكن كاملة الحرية في التصرف.

أما في الفقه الإسلامي فقد وضع فقهاء المسلمين الأجلاء القواعد الفقهية اللازمة لدفع الضرر و رفع المشقة عن العباد ليعيشوا حياة فضلى كريمة بعيدة عن كل ما يؤذيها، و هذه القواعد هي : الضرر يزال، و الضرورات تتيح المحظورات، الاضطرار لا يبطل حق الغير، يرتكب اخف الضررين لدفع أعظمهما، يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام، المشقة تجلب التيسير، الأمر إذا ضاق اتسع، ما جاز لعذر يبطل لزواله، و الضرورة تقدر بقدرها، فجميع هذه القواعد تعلل أو تبرر حالة الضرورة و بالتالي تكون أشبه ما يكون بالنظرية الشرعية لأساس حالة الضرورة.

المبحث الثاني : طبيعة حالة الضرورة : لم تتفق التشريعات الوضعية بالإضافة إلى الفقه على وصف واحد لحالة الضرورة، فالبعض يرى أنها مانع عقاب أو مانع مسؤولية، و البعض الآخر يرى أنها سبب إباحة، هذا لمن اعترف بها و هم الأغلبية، فهناك بعض التشريعات ترفض الاعتراف بها و هي البلجيكية و الفرنسية و المصرية حتى عام ١٩٤٠.

و إن وجد في أحكامها تطبيقات لفكرة الضرورة.

فأما الفريق الأول و الذي يرى أنها مانع عقاب أو مانع مسؤولية فتضم كلا من القانون الأردني و الإماراتي، الايطالي، العراقي، الجزائري، السوري، البحريني، القطري، الليبي، الكويتي و اللبناني، و يتضح هذا من خلال عباراتها لا عقاب ...

لا جزاء ...

لا مسؤولية جزائية، فالجاني في حالة الضرورة لم يكن حر الاختيار بل أن الظروف التي وضع فيها دفعته للقيام بهذا التصرف.

و أما الفريق الثاني الذي يرى في حالة الضرورة سبب إباحة فيضم القانون السوفيتي و العماني، السوداني و المغربي، و هذا واضح أيضا من عباراتها لا يعتبر جريمة...

و لا جناية أو جنحة...، و يضع أنصار هذا الاتجاه حجج و مبررات منها نظرية عدم المنفعة من العقاب و نظريه المصلحة الأجدر بالرعاية (نظرية الصراع بين المصالح) و قد سبق أن بينتها عند الحديث عن أساس حالة الضرورة.

و هناك اتجاه آخر يرى أن حالة الضرورة قد تكون سبب إباحة لا مانع مسؤولية في الوقت الذي لا تتأثر فيه و إرادة الجاني بأية عوامل أخرى و يبقى لها كامل الحرية في التصرف، و هو رأي منتقد لأن الإرادة و إن تمتعت بحرية التصرف فإنها تبقى متأثرة بالعوامل الخارجية المحيطة بها من ظروف و واجبات بيئية و أخلاقية.

و الذي نخلص إليه هو أن اعتبار حالة الضرورة سبب إباحة لا مانع مسؤولية يتوقف على التمييز بين أمرين الأول : إذا تعلق الأمر بشخص الجاني و أصابه عيب في الاختيار فتلحق عندئذ بالأسباب المعنوية النافية للجريمة و المانعة للمسؤولية، و الثاني : إذا تعلق الأمر بعلة في الفعل المرتكب تحت تأثير الضرورة و هنا لا يعد الفعل جريمة لأن الضرورات تبيح المحظورات استنادا إلى أن حالة الضرورة تقوم على أساس صيانة حق مقابل التضحية بآخر اقل منه أهمية و في حال تساويهما لا يهم المجتمع أيهما مادام سيضحى لزاما بأحدهما.

و الرأي الراجح هو اعتبار حالة الضرورة مانع عقاب لا سبب إباحة لأن الإباحة تعني الإعفاء الكامل من المسؤولية الجنائية و المدنية، و الذي لا خلاف عليه هو أن حالة الضرورة توجب المسؤولية المدنية دون الجنائية كما سنرى عند الحديث عن آثار حالة الضرورة.

و أما الشريعة الإسلامية فإنها تهدف إلى الحفاظ على النفس الإنمائية و تمنع عنها كل مكروه يصيبها في كلياتها الخمس الدين و العقل و النفس و المال و النسل باعتبار هذه الكليات من الضرورات التي لا غنى عنها لشعوب الأرض كافة، و الحفاظ على هذه الكليات واجب على كل إنسان لأن خلاف ذلك يوقع النفس البشرية في التهلكة و هذا ما نهانا الله عز و جل عنه في كتابه الحكيم "و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" "و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" و لتحقيق هذا الهدف الزم الله سبحانه و تعالى الإنسان أن يأخذ بحالة الضرورة وقت الحاجة إليها، و لهذا شرعت الرخص لتخفف على الناس ظروف الحياة الصعبة و ما علينا إلا أن اخذ بها دون حرج لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه، و من هنا نرى أن في رفع الحرج عن المسلمين تجاه بعض تكاليفه رفعا لصفة التحريم و الإثم عن الفعل إلى أن يزول العذر، و متى زال العذر عاد الفعل محرما كما كان سابقا.

و في الفصل الثاني تناولت شروط حالة الضرورة و آثارها و ذلك في مبحثين خصص الأول لشروط حالة الضرورة فيما خصص المبحث الثاني لآثارها.

المبحث الأول : شروط حالة الضرورة : يتطلب لقيام حالة الضرورة عدة شروط لا بد من توافرها جميعا، و بداية يشترط وجود خطر يهدد شخصا ما، و فعلا يرتكبه الشخص للتخلص من هذا الخطر، و أخيرا التناسب بين الخطر والفعل.

شروط الخطر : يشترط في الخطر الذي يهدد الشخص و يدفعه لارتكاب الجريمة أن يكون جسيما و حالا و مهددا للنفس و المال و لا دخل لإرادة الجاني في حلوله و عدم التزام الشخص بتحمل الخطر قانونا.

الشرط الأول : أن يكون الخطر جسيما : و يكون الخطر جسيما عندما يعبث أضرارا لا يمكن جبرها إلا بتضحيات كبيرة، أو هو ذلك الخطر غير القابل للإصلاح أو يغلب عدم قابليته للإصلاح على احتمالية إصلاحه أو يتساوى الاحتمالان، و مثال ذلك إن مجرد الإحساس بالبرد أو الجوع لا يكفي لتبرير ارتكاب جريمة السرقة لانتفاء الجسامة في الخطر، و المعيار المتبع في تحديد جسامة الخطر هو الشخص العادي المتوسط و مدى تحمله لمثل هذا الخطر، و يتحدد معيار الجسامة بناء على الصلة بين الخطر و انتفاء حرية الإرادة، فإن كان انتفاء الإرادة عائدا لجسامة الخطر عد الخطر جسيما، و بخلافه لا يعد جسيما.

الشرط الثاني : أن يكون الخطر حالا : و يقصد بالحلول أن ينذر الخطر بضرر على وشك الوقوع به أو بغيره، و بذلك يخرج الخطر الذي تحقق و انتهى قبل اللجوء إلى حالة الضرورة، و يخرج كذلك الخطر المستقبلي لإمكانية تفاديه بوسائل أخرى غير ارتكاب الجريمة، و لكن إذا وقع الخطر و استمر فهل يمكن اللجوء إلى حالة الضرورة للتخلص من هذا الخطر ؟ يجوز اللجوء إلى حالة الضرورة ما دام الخطر مستمرا، و أخيرا الخطر الوهمي و الذي هو محل خلاف بين الفقهاء و الراجح عند الأغلب انه إذا بني على أسباب معقولة جاز الأخذ به و الاحتجاج بحالة الضرورة.

الشرط الثالث : أن يكون الخطر مهددا للنفس أو المال : تجيز اغلب القوانين الاحتجاج بحالة الضرورة متى كان الخطر مهددا للنفس أو المال، في حين تشترط القلة منها في الخطر أن يكون مهدا للنفس دون المال، و يضع كل من الفريقين من الأدلة ما يعزز رأيه، فيرى المعارضون للأخذ بالمال إن حالة الضرورة تقع على بريء ضحي بمصلحته في سبيل مصلحة الفاعل، و إن كان فعله هذا مبررا إذا كانت المصلحة المحمية هي النفس لا يبقى مبررا إن كانت هذه المصلحة هي المال، و يرد عليهم معارضيهم ممن يجيزوا النفس و المال بالقول بوجوب المساواة بين النفس و المال خاصة إذا كانت قيمة المال المهدد بالخطر اكبر من قيمة المال المضحى به، على أن لا يجوز في جميع الأحوال التضحية بأحد حقوق النفس لإنقاذ المال، هذا و تشمل كلمة النفس جميع ملحقاتها كالشرف و السمعة و الاعتبار و السلامة الجسمية...الخ، و أما كلمة الغير فهي بحسب الرأي الراجح عند الفقه تشمل القريب و البعيد لعموم النص القانوني.

الشرط الرابع : الا يكون لإرادة الفاعل دخل في حلول الخطر : يشترط في الخطر الا يكون قد نتج بإرادة الفاعل، فان كان الأمر كذلك رفض الأخذ بحالة الضرورة، و لا نقصد بذلك تعمد الفاعل إحداث السلوك الإجرامي بل تعمد إحداث الخطر فمن يشعل نارا للتدفئة فتمتد لتشمل البيت يكون مضطرا لارتكاب أي فعل لمواجهة النيران، و ينطبق ذلك أيضا على من يتوقع حدوث الخطر و يتخذ من الإجراءات ما يكفل السلامة و دفع الخطر إن وقع، و لكنه تفاجأ بالخطر يداهمه بالشكل الذي الزمه ارتكاب الفعل المشكل جريمة لتفادي الخطر.

الشرط الخامس : عدم التزام الشخص بتحمل الخطر قانونا : يلزم القانون في الكثير من الأحيان بعض الأشخاص بمواجهة خطر ناتج عن طبيعة عملهم و بالتالي حرمانهم من الاحتجاج بحالة الضرورة إذا أرادوا التخلص من هذا الخطر، و هذا عائد إلى معرفتهم المسبقة بمثل هذه الأخطار و موافقتهم على القيام بهذه الأعمال، و مثال ذلك من صدر بحقه حكم الإعدام لا يحق له الاحتجاج بحالة الضرورة للتخلص من تنفيذ الحكم لعلمه المسبق بهذه النتيجة.

شروط الفعل : يشترط في الفعل أن يكون هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر : و أن يكون من شان الفعل التخلص من الخطر.

الشرط الأول : أن يكون الفعل هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الخطر : يشترط لتوافر حالة الضرورة ألا يكون باستطاعة الجاني دفع الخطر الذي يهدده بوسيلة أخرى غير ارتكاب الجريمة، فإن وجد أمامه من طريقة أخرى للخلاص من الخطر حرم من الاحتجاج بحالة الضرورة، كما أن بالإمكان أن تتوفر لديه عدة وسائل و لكنه رأى أن هذه هي الوسيلة الوحيدة القادرة على تخليصه من الخطر، و قد تتجه إرادة الجاني إلى التخلص هن الخطر بفعل مباح و لكن تسير الأمور على غير ما يتوقع فيصيب حقا للغير بفعل يشكل جريمة، و في هذا الحال يستطيع اللجوء إلى حالة الضرورة لتبرير فعله، كمن يهرب من منزل شبت فيه النيران فيفاجأ بأحد المارة أمامه فيصدمه و يؤذيه، و لكن إذا وقع غلط في الوسيلة الوحيدة فهل يحاسب أم لا ؟ هنا تفرق بين إن كان أمام الجاني وسيلة واحدة أم عدة وسائل للتخلص من الخطر، فان وقع الغلط في الوسيلة الوحيدة ترتب عليه امتناع قيام حالة الضرورة،أما إن تعددت الوسائل و اختار احدها فإن الغلط يصلح لقيام حالة الضرورة طالما كان من شان الإنسان العادي أن يقع في مثل هذا الغلط.

الشرط الثاني : إن يكون من شان الفعل التخلص من الخطر : يشترط في الفعل المرتكب أن يؤدي إلى التخلص من الخطر، و ذلك بقيام علاقة سببية بين الفعل و الخطر، بحيث يكون الفعل استجابة حقيقية للخطر، و انتفاء هذه العلاقة يحول دون الاحتجاج بحالة الضرورة، فإن قام أحد الأشخاص بإشعال النار في احد الأماكن و قام آخر بقتله أو إيذاءه لا يعد مضطرا لارتكاب هذا الفعل لان ليس من شانه التخلص من الخطر، و يشترط البعض توافر حسن النية لدى الجاني لقبول احتجاجه بحاله الضرورة فإن كان سيئ النية حرم من هذا الحق إلا أن أراد من فعله درء الخطر و الانتقام معا.

شرط التناسب بعد أن تتحقق جميع شروط الفعل و الخطر يبقى شرط التناسب بينهما، و يقصد بالتناسب التوازن بين الأضرار، فعلى الجاني أن يقيم توازنا صحيحا بين المصالح المتصارعة لأن الضرورة مشروعية ضد مشروعية، لهذا يسال الجاني عن الوسائل و الأهداف معا، و بذلك يكون التناسب ذا طابع مطلق، و معيار التناسب يتمثل في أن يكون الفعل المرتكب اقل الأفعال التي من شانها برء الخطر والتي في وسع الجاني القيام بها، أي أن تكون الجريمة أهون ما يمكن للجاني أن يرتكبه بحسب ما كان في متناوله من الوسائل.

و قد تقوم حالة الضرورة متى كان التفاوت ملحوظا بين المصالح المتصارعة قامت معها حالة الضرورة، و مع ذلك قد ترفض حالة الضرورة رغم توافر التناسب و يعود ذلك لتخلف شروط أخرى، و مثل ذلك قضية اغتصاب الشقق و التي يدور الصراع فيها بين حق الملكية و حق الحياة، مع أن حق الحياة أسمى من حق الملكية و التوازن قائم إلا أن الضرورة ترفض في مثل هذه الحالة، و هذا عائد إلى الخطأ السابق للجاني و ليس لتخلف التناسب.

و في الفقه الإسلامي نرى أن الفقهاء المسلمين وضعوا مثل هذه الشروط و أضافوا إليها شرطا واحد و هو ألا يكون المضطر عاصيا، مع أن بعضهم رأى عدم تطلب هذا الشرط و هذا نابع من اختلافهم حول المقصود من قوله تعالى"خير باغ و لا عاد" فمن قال أن المقصود بالباغي آكل الميتة و العادي من يعدو شبعه لم يشترط هذا الشرط لوضوح النص القرآني، و أما من يرى أن الباغي هو الخارج على الإمام و العادي قاطع الطريق فاشترطوا هذا الشرط، و استندوا إلى حجة أخرى مفادها أن منح العاصي هذه الرخصة إعانة له على عصيانه و هذا ما لا يقبل به أحد.

المبحث الثاني : آثار حالة الضرورة يترتب على حالة الضرورة آثار جنائية و أخرى مدنية، و تختلف هذه الآثار تبعا للاختلاف حول طبيعتها القانونية، فاعتبار حالة الضرورة سبب إباحة يرتب آثارا غير تلك التي يرتبها وصفها بأنها مانع عقاب.

الآثار الجنائية لحالة الضرورة : أولا : بوصفها سبب إباحة : ترتب حالة الضرورة بوصفها سبب إباحة الآثار الجنائية التالية : (1) مشروعية السلوك الإجرامي الذي أتاه الجاني، (2) تبعا لمشروعيه السلوك لا يجوز مقاومته بأي حال من الأحوال، (3) لا يفرض على الجاني أي تدبير احترازي لانتفاء الخطورة الإجرامية لديه، (4) يستفيد المساهمون في السلوك الإجرامي من حالة الضرورة باعتبارها سببا عاما للإباحة.

ثانيا : بوصفها مانع مسؤولية : يرتب وصف حالة الضرورة بأنها مانع مسؤولية الآثار التالية : (1) عدم مشروعية الفعل الذي أتاه الجاني باعتباره سلوكا إجراميا، (2) يترتب على عدم المشروعية إمكانية مقاومة الغير له دون استثناء، (3) لا يستفيد المساهمون في حالة الضرورة من مانع المسؤولية إلا أن توافر لكل واحد منهم شروط حالة الضرورة نتيجة مساهمته في الفعل.

الآثار المدنية لحالة الضرورة : لا خلاف بين جميع القوانين و الفقهاء حول وجوب أن يتحمل المضطر المسؤولية المدنية عن فعله، بغض النظر عن وصف حالة الضرورة بأنها سبب إباحة أو مانع مسؤولية، و عليه يلزم الجاني بتعويض المتضرر عن الضرر الذي ألحقه به، و لكن المشكلة التي واجهت الفقه كثيرا هي أن المطالبة بالتعويض تتطلب الخطا من جانب الجاني، و لا يمكن نسب الخطأ إلى الجاني في أي من الوصفين السابقين، فلا خطأ فيما هو مباح هذا إذا اعتبرنا حالة الضرورة سبب إباحة، و لا إثم من جالب المضطر إذا اعتبرناها مانع عقاب، هذه المشكلة جعلت الفقهاء يبحثون عن أساس جديد لهذا التعويض، و كان الرأي الغالب أن يكتفي بتحقق الضرر لإلحقاق المسؤولية المدنية، بينما رأى البعض القليل إمكانية المطالبة بالتعويض استنادا إلى فكرة الإثراء بلا سبب، و لكنها لم تفلح في ذلك لان المضطر لم يضيف شيئا إلى ذمته المالية.

و في الفقه الإسلامي فإن قاعدة الضرورات تتيح المحظورات و التي لا يختلف عيها اثنان من الفقهاء تعتبر الأساس الذي تبنى عليه حالة الضرورة، و تدل دلالة واضحة على إباحة المحظور وقت الضرورة، و لكن هل تعمل الضرورة على رفع الإثم مع بقاء صفة التحريم، أم أنها ترفع الإثم وصفة التحريم معا ؟ لقد أجاب الحنفية على ذلك بتقسيم المحظور إلى نوعين يجعل الأول الفعل مباحا و ترفع عنه صفة التحريم و الأخذ به واجبا كتناول المحظور من الطعام و الشراب لإنقاذ النفس، و النوع الثاني و الذي يرفع الإثم مع بقاء صفة التحريم و يبقى الفعل محرما كإتلاف مال الغير، و عارض الشاطبي ما ذهب إليه الحنفية استنادا إلى أن الضرورة رخصة من الله و الرخصة تبيح المحظور برفع صفة التحريم و الإثم معا.

في الفصل الثالث و الأخير تناولت فيه حالات الضرورة و تمييزها عما يشتبه بها و ذلك في بحثين خصص الأول لحالات الضرورة فيما خصص الثاني لتمييز حالة الضرورة عما يشتبه بها.

المبحث الأول : حالات الضرورة : للضرورة حالات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعا و لهذا سأقتصر على ذكرها دون تفصيل مبتدئا بحالات الضرورة الشرعية و التي تتمثل بضرورة الغذاء و الدواء و النسيان، المرض، الجهل، السفر، الإكراه، الدفاع الشرعي، الكذب، النقص الطبيعي، استحسان الضرورة، المصلحة المرسلة للضرورة، سد الذرائع للضرورة، العرف، إتلاف النفس و مال الغير و الظفر بالحق، و أما حالات الضرورة في القانون الوضعي فهي لا تخرج عن القروض الآتية : الأول : ارتكاب جريمة على شخص بريء ليدفع بها عن نفسه ضررا جسيما تهدد به الطبيعة، و مثالها من يسرق غطاء غيره ليقي نفسه من البرد الشديد، الثاني : أن يرتكب إنسان جريمة على شخص بريء ليدفع بها ضررا جسيما تهدد به الطبيعة نفس غيره، و مثالها الأم التي تسرق الخبز أو الطعام لتنقذ جنينها أو أبناءها، الثالث : أن يرتكب إنسان جريمة على شخص بريء ليدفع بها ضررا جسيما يهدد به أحد الأشخاص إنسانا غيره، و مثاله من يشعل نارا متعمدا في مكان ما فيلجا آخر لإطفاء الحريق بانتزاع مواد الإطفاء من منزل جاره لإنقاذ من هم في الداخل.

و نلاحظ مما سبق أن الفقه الإسلامي كانت أكثر توسعا في مفهوم حالة الضرورة بحيث ضمت حالات كثيرة لا يعترف بها القانون أصلا و من ذلك ضرورة الغذاء و الدواء، و هذا يدل على عمق وسعة شريعتنا الإسلامية.

المبحث الثاني : تمييز حالة الضرورة عما يشتبه بها : ترتبط حالة الضرورة مع الدفاع الشرعي و الإكراه المادي و المعنوي من عدة نواح بالشكل الذي يوقع الكثير منا في الخلط بينها، سعيت خلال هذا المبحث إلى العمل على إزالة هذا اللبس و ذلك ببيان مفصل لأوجه الشبه و الخلاف بينها مما لا يدع مجالا للخلط بينها.

Main Subjects

Law

Topics

No. of Pages

97

Table of Contents

فهرس المحتويات / الموضوعات.

الملخص / المستخلص.

المقدمة.

الفصل التمهيدي : تعريف حالة الضرورة و تطورها التاريخي.

الفصل الأول : أساس حالة الضرورة و طبيعتها القانونية.

الفصل الثاني : شروط حالة الضرورة و آثارها.

الفصل الثالث : حالات الضرورة و تمييزها عما يشتبه بها.

الخاتمة.

قائمة المراجع.

American Psychological Association (APA)

الزيود، محمد فارس. (2000). حالة الضرورة : دراسة مقارنة في القوانين الوضعية و الشريعة الإسلامية. (أطروحة ماجستير). جامعة آل البيت, الأردن
https://search.emarefa.net/detail/BIM-319982

Modern Language Association (MLA)

الزيود، محمد فارس. حالة الضرورة : دراسة مقارنة في القوانين الوضعية و الشريعة الإسلامية. (أطروحة ماجستير). جامعة آل البيت. (2000).
https://search.emarefa.net/detail/BIM-319982

American Medical Association (AMA)

الزيود، محمد فارس. (2000). حالة الضرورة : دراسة مقارنة في القوانين الوضعية و الشريعة الإسلامية. (أطروحة ماجستير). جامعة آل البيت, الأردن
https://search.emarefa.net/detail/BIM-319982

Language

Arabic

Data Type

Arab Theses

Record ID

BIM-319982