انعكاس صورة الأسرة في أدب الأطفال العربي و تأثيره على التنشئة الاجتماعية

Abstract AR

سعى البحث إلى دراسة صورة الأسرة في أدب الأطفال العربي.

حاول أن يجد جوابا للتساؤل: هل يساهم أدب الأطفال العربي في نقل الواقع أم في إعادة إنشائه، أم أنه يبني تصورا جديدا ينقله للناشئة؟ نستنتج من دراستنا الحالية أن أدب الأطفال يسير في المسارات الثلاثة، أحيانا في النص الأدبي نفسه، و نؤمن أن هذا يحدث غالبا بدون وعي من كتاب النص. يظهر في أدب الأطفال العربي الذي تم تحليله في هذه الدراسة نوعان من الأسر : الأسرة النواتية و الأسرة الممتدة و حضور الأسرة الممتدة ما زال قويا كانعكاس للواقع أو تشبث به.

فتستخدم قصص الأطفال لمنح جيل الأجداد و الجدات، و من خلالهم منح التراث و التقاليد، منصة و دورا فاعلا في عملية التنشئة الاجتماعية و اختيار و نقل مضامين التربية و التهذيب للنشء الجديد.

اهتمت بعض مضامين القصص بالتواصل بين الأجيال و المحافظة على التراث كهوية و كجزء من معادلة البقاء و الاستمرار.

هنا يقوم أدب الأطفال، وسيلة عصرية في العالم العربي، بدور أداة تحافظ على التراث و التقاليد.

في هذه النصوص لا يظهر صراع بين العصرنة و التقاليد بل يبرز التناغم و الاحترام و توزيع الأدوار لصالح النهجين. من جهة الشكل الخارجي، لا يوجد تفضيل للمظهر العصري أو التقليدي للفرد في الأسرة العربية، إذ يظهر الأهل في لباس تقليدي أحيانا و أحيانا أخرى في ثياب عصرية.

حتى الطبيبة التي تبدو في ثياب مهنية عصرية في عملها تلبس الملابس الشعبية التقليدية في بيتها. الطفل الذي ينشأ في أسرة موسعة يربح منهم الإرشاد و التعليم و الدعم.

يبدو أن هذا تحضير لطبيعة الاتكال و الدعم المتبادل الذي تقوم عليه الأسرة العربية كلبنة في جوهر بناء المجتمع الجمعي.

فنرى في كثير من الأحيان في اقصص تدخل الأقارب لمساعدة الطفل و حل إشكاليات معينة بين الطفل و أهله أو طرف آخر.

هم لا يوفرون له آليات حل المشاكل الاجتماعية أو الفردية، و إنما يحلون له المشاكل بأنفسهم، و هكذا يتعود أن يلجأ لأهله أو أقاربه عند كل أزمة و يتوقع أن يجدهم هناك جاهزين لحل المشكلة بدله. لا يطور المجتمع الجمعي الطاقات الكامنة ليصبح فردا مستقلا.

و من هنا، بدأ في القصص أن الأهل لا ينتبهون للقدرات الكامنة في أطفالهم، فيحاول الأطفال إقناع أهليهم بأنهم قادرون على الإنجاز و تقديم المساعدة و لكن تعود معظم النصوص لتؤكد للطفل أهمية احترام خبرات من هم أكبر سنا و أدرك رشدا.

يلعب الأهل دور المرشد في أغلب الحالات و يقومون بتقديم المواعظ للأطفال كي لا يرتكبوا الأخطاء. تربي الأسرة العربية على الانتماء التام للأسرة و احترام العلاقات الاجتماعية بين أفرادها.

تشجع الأسرة على قضاء وقت الفراغ بين أفراد الأسرة، سواء النواتية أو الموسعة، مع أبناء الجيل و باقي الأجيال و بهذا هي تؤكد على أهمية صلة الرحم.

بشكل مباشر أو غير مباشر.

يحاول الأهل عادة ترهيب الأطفال مما هو خارج المنزل، فلا يمنحونهم الفرصة ليعيشوا التجربة، لذا نجد فكرة البيت الآمن مقابل الخارج الخطر هي السائدة و يخدم هذا مباشرة توثيق العلاقات الأسرية. ساهم التطور التكنولوجي في بعض القصص بانعزال أفراد الأسرة بسبب التلفاز و الحاسوب.

في الوقت نفسه نجد في بعض القصص انفتاحا على مواضيع كانت محرمة أسريا، مثل مناقشة الأم مع ابنتها الطفلة موضوع الحمل و الولادة. عكست بعض النصوص مشروعا يهدف إلى تحقيق المساواة الجندرية، و ظهر هذا في انتقاء الشخصيات و أدوارها و أنواع الحبكة.

يعد هذا النوع من النصوص "جريئا" أو "ديموقراطيا" و أنه يسعى لإبراز المساواة في الحقوق و الواجبات و المهن بين النساء و الرجال في الأسرة.

هذه النصوص عد براعم جديدة قليلة و لكن بارزة في دورها.

هذا الجانب هو نموذج آخر للنقاش القائم بين العصرنة و التقليدية الحاصلة في المجتمع و التي يعكسها أدب الأطفال.

و مع هذا، ما زالت التنشئة الجندرية النمطية حاضرة في أدب الأطفال العربي، إذ نجد الأم أو الأخت أو الجدة تقوم بأدوار تقليدية كالعمل في المطبخ و التنظيف. تلعب قصص الأطفال في العينة البحثية دورين متوازيين: إذ إنها تساهم في نقل الواقع القائم في الأسر العربية، و تشكل مرآة مكبرة لها.

و كما ذكرت أبو بكر (1990) ما زالت الأيديولوجيا التربوية تستغل أدب الأطفال كوسيط تنقل من خلاله القيم التي تحافظ على الدور البطريركي و على التقاليد، و من جهة أخرى فإنها تبني تصورا جديدا، يحوي مساواة جندرية و عدل اجتماعي، و تنور ديني، و تقدم ثقافي، و مهني و حداثة تساهم في تنشئة جيل بطريقة بها دمج مع تراث و تقاليد انتقائية بطريقة مختلفة نوعا ما عن الواقع اليومي المعاش في بيوت والديهم.

و أخيرا، كما أن الأسرة هي الوسيط بين الفرد و المجتمع يلعب أدب الأطفال دور الوسيط بين الأسرة و بين الطفل.