التمثيل السردي للشخصية العصابية : "بياض ساخن" و "سنوات التيه" نموذجا

Abstract AR

النفس الإنسانية عالم بالغ الغموض لا يستطيع أحد الادعاء بأنه استطاع سبر أغواره منذ بدء الخليقة حتي الآن.

و قد تعددت محاولات الإنسانية عبر مسيرة تطورها الاقتراب من هذا العالم و اقتحامه لتفسير مظاهر السلوك الإنساني و اتجاهاته في علاقته بالذات أو بالأخر أو بالكون المحيط به.

و من البديهي أن يكون التحليل النفسي هو المجال المعرفي الأكثر اهتماما بهذه الجوانب في الدراسات الإنسانية.

و من البديهي أيضا لأن الإنسان السوي الذي ينعم بالتصالح مع الذات و السلام النفسي و الاجتماعي لا يشكل الظاهرة التي تسترعي انتباه المهتمين بالتحليل النفسي فثم افتراض جدلي أنه هذه هي القاعدة لذا يسترعي انتباههم الشخصية المنحرفة نفسيا عن هذه القاعدة.

وقد قسم علم النفس التحليلي الشخصيات المنحرفة نفسيا إلي شخصيات عصابية و شخصيات ذهانية و أخري سيكوباتية و غالبا ما يتم الخلط بينها جميعا لدي غير المختصين فيطلقون أيا منها علي الشخصيات التي تعاني أي شكل من أشكال عدم السواء النفسي.

و تذهب بعض مدارس التحليل النفسي إلي أن مصطلح العصابية يطلق علي الأمراض النفسية Neurosis و الأمراض الذهانية Psychosis معا وان الفرق بينهما يكمن في أن المريض بالمرض النفسي العصابي يدرك أنه يعاني أمرا غير طبيعي و انه مريض و يحتاج إلي العلاج بينما المرض الذهاني يعاني الانفصال عن الواقع و يرفض الاعتراف بأنه مريض قد يعتقد أنه مراقب طوال الوقت.

أما الشخصية السيكوباتية Psychopaty فهي الحالة الوسطي بين المرض العصابي و المريض الذهان وهي تطلق علي السلوك المنحرف المضاد للمجتمع و الخارج علي قيمه و معاييره مثل مدمني المخدرات ـ و النصابين و المنحرفين جنسيا و المصابين بمرض السرقة.

و تحاول هذه الدراسة مقاربة التمثيل السردي للشخصية العصابية للتعرف إلي كيفية تناول الإبداع السردي الشخصية العصابية.

وقد اتخذت روايتا: "بياض ساخن" لسهير المصادفة و " سنوات التيه" لشاهيناز الفقي للتعرف علي آليات التعبير عن الشخصية العصابية و أسباب مرضها و اعراضه في الإبداع السردي.

بعد هذه القراءة التحليلية للشخصية العصابية في الروايتين نجد أن كلا من الكاتبتين قد تزودت بقدر غير قليل من القراءات في التحليل النفسي حتي تستطيع التعبير عن لا وعي الشخصية العصابية علي النحو الذي رأيناه فسهير المصادفة تعرض علي لسان شخصياتها مصطلحات علم النفس التي تصف الحالة المرضية التي تعرضها توخيا لدقة المعلومات و إمعانا في دقة التعبير عن الحالة المرضية التي تشكل موضوعها السردي فيرد في حوارات الشخصيات مصطلحات شيزوفرنيا ثنائي القطب و بارانويا و الفصام.

و أسماء بعض العقاقير الطبية المستخدمة في علاج مثل هذه الحالات.

و مع اهتمام الكاتبة بالمرجعية العلمية في وصف المرض و أسبابه و أعراضه فإنها ذهبت مذهب العامة في الخلط بين مريض الفصام و مريض تعدد الشخصيات Multiple Personalities في رسم شخصية لولا.

و من خلال شخصية الدكتور خالد عرضت أيضا شاهيناز الفقي كثيرا من التعريفات الطبية للأمراض النفسية و العصبية كالاكتئاب و متلازمة الجمال النائم و متلازمة انقطاع التنفس عند النوم و البارانويا.

اهتمت سهير المصادفة في تفسير أسباب الإصابة بالمرض بتناول معظم الأسباب المتوقعة للإصابة به علي مستوي المرجعية العلمية فاستقصت عوامل الوراثة و العلاقات الأسرية و الظروف السياسية و الاجتماعية التي تدفع إلي الإصابة بالمرض العصابي لتطرح ضمنا رؤيتها الأيديولوجية لملابسات مرحلة ما بعد ثورة يناير و حكم الإخوان و انقسام المجتمع المصري في تلك المرحلة.

في نقد لاذع للظروف السياسية و الاجتماعية.

بينما انصب اهتمام شاهيناز الفقي علي الأسباب الذاتية المتعلقة بالإخفاقات العاطفية و عدم تحقق الذات أسبابا للمرض النفسي من خلال شخصية ناديا.

و خطورة العلم الذي يؤدي بصاحبه أحيانا إلي درجة خطيرة من المرض إذا ما تعرض صاحبه لأزمة نفسية لم يقو علي احتمالها مثل الدكتور خالد الذي استطاع أن يخلق هذا العالم الوهمي بكل ما فيه من علاقات متشابكة.

وفي تناولهما أعراض المرض كانت تقنيات تيار الوعي في التعبير عن وعي الشخصيات في مستوياته المختلفة التقنية الفنية التي استطاعت أن ترسم صورة لتشوش الأفكار و تدافع مخزون اللاوعي عند الشخصيات من خلال التداعي الحر للأفكار أو أحلام اليقظة أو الأحلام و الكوابيس.

و من ثم فقد قدمت كل من سهير المصادفة و شاهيناز الفقي نماذج إبداعية للشخصية العصابية اتسمت بالحيوية و تعدد أبعادها الفنية مما يجعلها شخصيات حية قابلة للتصديق.