العدول عن الاعتراف و أثره على قناعة القاضي في المسائل الجنائية : في ضوء أحكام محكمة النقض المصرية

الملخص AR

إن الهدف الأسمى للحكم القضائي، هو الوصول للحقيقة، لضمان عدم الاعتداء على الحقوق و الجور عليها من الغير، وذلك إرساء لدعائم العدل بين الناس، بما يكفل استقرار المجتمع و أمنه.

وفي سبيل ذلك يمر الحكم القضائي، بمراحل عديدة من أجل الوصول إلى هذا الهدف، وذلك من خلال دعوى قضائية تشتمل على عدة إجراءات حتى تنتهي بإصدار حكم هو عنوان للحقيقة، يراعى فيه مقتضيات العدل و الإنصاف.

وتختص الدعاوى في المسائل الجنائية أهمية قصوى في سبيل الوصول
إلى حكم عادل و منصف منه للخصومة، لأن القضاء الجنائي، لا يقتصر على
الحقوق المالية فقط، كما هو الحال في القضاء المدني، و لكن مجال القضاء
الجنائي يرتبط بأهم الحقوق الشخصية للإنسان، و هو حقه في الحياة و حقه في حريته و سلامة بدنه، تلك الحقوق الأساسية للإنسان وفقا لمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

لذلك، يجسد عدالة الحكم الجنائي، ضمان حصول البريء على حقه في سلامة جسده و كفالة حريته، كما يجسد في نفس الوقت القصاص من المذنب.

لذا ينصب جل اهتمام القاضي، طوال السير في إجراءات الدعوى على الوصول إلى الحقيقة، وفي سبيل ذلك يلجأ القاضي للعديد من أدلة الإثبات للوصول إلى قناعة حقيقية يبني عليها حكمه.

وتتعدد أوجه الإثبات في قيمتها و درجة الأخذ بها، و التعويل عليها وفقا لأطمئنان القاضي لكل دليل بالأخذ أو الترك.

و تترتب تلك الأدلة([1]) فيما بينها أمام القاضي، و غالبا يترجم الحكم الصادر أولوية الأدلة التي ركن إليها القاضي في الوصول إلى قناعته الشخصية.

ولا شك أن الاعتراف يأتي في دلة الإثبات التي شكلت عقيدة القاضي، و إن كان القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في تقدير قيمة الاعتراف في المسائل الجنائية نظرا لخطورة و حساسية ما يترتب على الحكم الجنائي من آثار، لذا أعطى المشرع حرية للقاضي في إعمال قناعته الشخصية المحكومة بمبادئ الإنسانية و الشرف حتى ينأى به عن مواطن الجور و الظلم.

ويظل الاعتراف له قيمته و قدره في المسائل الجنائية، طالما توافرت العوامل الرئيسية في سلامة الاعتراف المبني عليه الحكم، و خلوه من كل شائبة، بما يكفل اعترافا اختياريا خاليا من كل عيب.

وكما يكون للاعتراف أهمية كبيرة في تكوين عقيدة القاضي، يصبح للعدول عن الاعتراف، قيمة كبيرة أيضا، و أيا ما كان تقدير القاضي للعدول عن الاعتراف، إلا أن العدول يخضع للفحص و التقدير والوزن من قبل القاضي، حتى يمكن إصدار حكم قضائي قويم.