فقه المفتي الاستفتاء

الملخص AR

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن الفتوى شأنها عظيم، وخطرها كبير؛ فهي تبليغ عن رب العالمين، ونيابة عن إمام المفتين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، فالمفتي قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم في الأمة.

ومن المتقرر لدى العلماء أن من الفقه في الشريعة تنزيل الأحكام على الوقائع على وجه تتحصل به مصالحها المقصودة للشارع من تشريعها، ولا يتم ذلك إلا بتوافق الأحكام مع الأحوال، بأن يكون حكم الفتوى متفقا مع أحوال الناس، ولا يتأتى ذلك إلا بالتصور الصحيح والفهم التام للواقع، إذ الحكم فرع التصور.

ولذا فإن من الأمور الهامة المؤثرة في صحة الفتوى والمعينة للمفتي على الإفتاء بالصواب وتجنب الخطأ: فهمه للاستفتاء فهما صحيحا ودقيقا؛ بحيث يكون مدركا حقيقة ما يسأل عنه، ومتصورا الواقعة التي يستفتى فيها تصورا تاما، فيحرص على فهم السؤال وإدراك غرض السائل ومقصوده، وذلك بعد تأمله في المسألة والإكثار من إدارتها على وجوه الشريعة، وعرضها على أوجه الاستدلال، وتريثه في الجواب حتى يفهم ما يلابسها، وبخاصة في النوازل والمسائل المستجدة.

وقد جاء هذا البحث لمعالجة هذا الأمر، ففيه بيان المراد بفهم الاستفتاء، والحديث عن أهمية الفهم الصحيح والدقيق للاستفتاء، واستيفاء حق المسألة من النظر، والأدلة الدالة على ذلك، وذكر الوسائل المعينة للمفتي على فهم السؤال وإدراك مراد السائل وبخاصة ما يتعلق بالنوازل، وبيان حال السلف مع فهم الاستفتاء؛ من تثبتهم وتأنيهم وشدة تحريهم قبل إصدار الفتوى، بعد إدراكهم لمقاصد المستفتين، وفهم أسئلتهم واستفتاءاتهم فهما صحيحا ودقيقا وفق مرادهم، والتدقيق في ألفاظهم ودلالاتها، وتصور الملابسات والقرائن المحيطة بالوقائع، والإحاطة بأعراف المستفتين إن كان السؤال متصلا بها.

كما تطرق البحث إلى ذكر أسباب وقوع الخلل في فهم المفتي وصور ذلك وأمثلته، وأثره، مع ربط ذلك بالفتاوى المعاصرة في البرامج الإفتائية في القنوات الفضائية.