الأبعاد التداولية في خطاب النصر

الملخص AR

يعد الخطاب أحد أكثر الفنون اتصالا بالواقع؛ لأنه ناتج عن علاقة بينه وبين المجتمع، فهو يعكس الثقافة القائمة بين المرسل والمتلقي.

اهتم الإنسان منذ الأزل باللسان وحاجته الطبيعية إلى الاتصال؛ وذلك من أجل المعرفة ونقل المعلومات، وكانت اللغة من أفضل الوسائل استعمالا، وأكثرها فعالية في الابلاغ.

يمثل الخطاب السياسي دورا مهما في حياة المجتمع وانعكاساته عليهم؛ لأن الكلمة التي يطلقها السياسي تكون كالرصاصة التي إذا خرجت لا تعود مطلقا، فهي لها أثر في نفوس المتلقيين؛ وذلك في تحديد مصيرهم.

إن الخطاب السياسي يشكل بعدا مهما من أبعاد المقاربة؛ لأنه يهتم بدراسة التضمينات السياسية والمقاصد والأفعال الإنجازية وغيرها.

والمهتمون بدراسة التداولية اللغوية يرون فيها كتنظيم غير معارض العلمي النحو والدلالة لأنها تتطلع في دلالاتها التواصلية للكلمات التي تنشأ في استعمالاتها المختلفة.

إن دراسة المعنى ارتبطت بدراسة التراكيب عند اللغويين القدامي، فقد كان اهتمامهم يدور حول أهمية اللفظ بالمعنى، إذ عقد سيبويه طت ۱۸۹ه" بابا اسماه باب الاستقامة من الكلام والإحالة».

(سیبویه، ۱۹۹۸: ٢۵/۱).

إن سيبويه رأى أن كل ما استقام به المعنى فهو جيد، وكل ما قبح به المعنى فهو مردود (سيبويه ، ۱۹۹۸: 1 / 25).

وأما ابن جني ”ت ۳۹۲" فوجدنا المتكلم واعيا عنده للعملية التواصلية؛ لأنه قادر على إيصال رسالته من خلال التخاطب موضحا هدفه في الخطاب، فالمتكلم هو المقصود.

وقد قال في "باب القول على الإعراب": "هو الإبانة عن المعاني بالألفاظ".

(ابن جني ١٩٥٢: ٣٥ / 1).

وبهذا الأمر قد أكد ابن جني على لفظ المتكلم وضرورته في العملية التواصلية، لأن المعاني حاضرة في ذات المتكلم لا المتلقي، وهي المعبر عنها بالعبارات والألفاظ فالمعنى التداولي أدى إلى تقاطع معرفي واجرائي حصل بين اللسانيات والمنطق مع الاتجاه الفلسفي مما أدى إلى ظهور تيار جديد سمى بالفلسفة التحليلية؛ لأن اللغة عبارة عن تصور منطقي وعقلي لواقع اللغة حسب منظور التحليليين (مجدوب، ۲۰۱۲: 19 / ۱) فالتقاطع بين الدراسات الدلالية والمنطقية ولد فيما بعد تطورا تداوليا من جهات مختلفة أرادت أن تلتزم مع الظاهرة اللغوية استنادا لبعد عقلي منطقي فلسفي.

إن الباحثين في التداولية يفهمونها الآن على أنها تنظيم غير رافض العلمي النحو والدلالة إلا في مستوى فحسب؛ لأنه يقوم بجمعها بمستوى ثالث يكون خاصا يسمى السياق المباشر، وهذا ما جعل التداولية أن تكون قاسما مشتركا بين ابنية النحو والبلاغة والدلالة.

إذا التداولية تعد منبعا استراتيجيا مهما في تحليل الخطاب؛ وذلك لجمعها بين البنائية الوصفية، والوظيفية، والسياقية، وغيرها من الحقول التي يجمعها الدرس التداولي، والعملية اللغوية لا تثبت أو تتضح إلا في ظل تتابع فعلي يجمع كل أدوات الشروط التداولي، والأدلة اللغوية ملفوظات الخطاب لذا لا يمكن ترقب أو رصد مواضعها إلا بربط مقتضياتها العميلة التواصلية، وبهذا الأمر جعل اقتراب التداوليين من الخطاب؛ وذلك بفرض وجود فاعل يكون منتجا له، والعلاقة الحوارية بين المتكلم والمتلقي.

ومن الناحية الألسنية.

فإن فكرة الفاعل ضرورية لمتابعة تحولات اللغة في الخطاب؛ وذلك من وجهة النظر العلمية تمثل الخصلة بالفواعل المتكلمين، أو فردا معروفا في الممارسة القولية؛ لأن علم اللغة نجد فيه تصورا فاعلا لمنتج الخطاب تقترن به ملاحظة حضوره في هذا الخطاب، فالفعل الفردي لتملك اللغة يدخل المتكلم في كلامه، وهذا يعد جوهرا في تحليل الخطاب ( فضل، ۱۹۹۲: ۸۹) ونظرا للأهمية التي وشحت بها التداولية انبثقت فكرة هذا البحث تحت عنوان الأبعاد التداولية في خطاب النصر.