صورة الذات المهمشة في نص السخرية بوصفه أفقا لإعلان المضمر: قصيدة البغلة لأبي دلامة الأسدي نموذجا

الملخص AR

إن أدبنا العربي أدب زاخر بالتنوع الإبداعي، و تعددية جماعاته؛ نتيجة لزخم الثقافة العربية أمكنة و أزمنة و أجناسا، و ما يتبع ذلك من الوفرة و الاختلاف في النتاج الإبداعي لها، و ثرائه الإنساني، و اللغوي، و الدلالي؛ و من هنا وجدت الكثير من الزمر الإبداعية التي انتثرت في البيئة العربية على طول الزمان و اتساع المكان، و من جانب آخر كان للتهميش الذي عانت منه بعض الجماعات الإنسانية في ظل تلك الثقافة دورا كبيرا في نشأة مجموعات هامشية رافضة، أو متمردة، أو منعزلة عبرت عن نفسها، و ظروفها في تمظهر إبداعي خاص بها، ظهرت من خلاله على ساحة الحياة الإبداعية العربية.

وكان أبو دلامة مبدعا ينتمي إلى واحدة من تلك الزمر المهمشة اجتماعيا و ثقافيا؛ لأنه ينحدر من عبودية و سواد لا ينبغي أن يكونا آنذاك إلا في ظل الهامش، لكنه استطاع من خلال نصه الساخر أن يعبر عن حياة مبدع الهامش في ظل ثقافة المتن و تسلطه، بل استطاع أن يجعل من نصه المضحك أداة كشف، و فضح للوجه الآخر القبيح للمتن، و ممارساته في محاولة للتمرد عليه، و رفضه بعد ذلك؛ حينما هجاه، وهجا سياسته علانية.

لكنه و من جانب آخر يرصد في نصه الساخر من خلال أدواته الترميزية ووسائله النصية معاناته مع تهميشه، و مع مسببات ذلك التهميش في قصيدته اللامية؛ أطول نصوص ديوانه، التي يؤرخ فيها لتجربته مع التهميش، و أثره على موهبته و وعيه الخاص لتلك الأزمة التي و إن جعلها طريقا له ليستحيل من هامش إلى متن، إلا إنه لما يزل في كوامنه مصابا بدائها، ناقما على خلقته، و نسبه، و سواده، جالدا ذاته و معذبها، لائما لها؛ لأنها ولدت له كل هذا العذاب، و هو ما رصده في لاميته.