الوجود الإسلامي في أوروبا و إشكالية الاندماج

الملخص AR

أصبح الوجود الإسلامي في أوروبا جزءًا من الواقع الذي يعيشه كلٌّ من العالم الإسلامي والغربي ، واحتل هذا الوجود قائمة الصدارة في اهتمامات كثير من المفكرين المسلمين وغير المسلمين في آنٍ واحدٍ ، حتى أضحى مؤثرًا في علاقة الجانبين من أطراف عدة ، أهمها : موقف المسلم من الحياة الغربية ، بعدما أصبح جزءًا من منظومتها الاجتماعية ، والسياسية والاقتصادية ، فهل يندمج المسلم في تلك المنظومة ، أم يعيش في عزلة شعورية وواقعية عنها ؟ أم يندمج فيها إلى درجة الذوبان والانصهار ؟ هناك اتجاهان رئيسان مختلفان للنظرة الأوروبية تجاه الوجود الإسلامي في أوروبا ، أولهما : الاتجاه الذي يذهب إلى التفسير التصادمي ؛ إذ لا يقبل أصحابه إلا بقَارَّة ذات هوية نصرانية عِلْمَانِيَّة ، ويحاولون صهر المسلمين في بوتقة القِيَم والنُّظُم الغربية .

أما الاتجاه الثاني فيرى أن ثمة صراع حقيقي يدور بين شريحة استئصالية وأخرى لا تمانع من القبول بوجود المسلمين بثقافتهم ، رغم أنها تكره الإسلام والمسلمين .

وقضية الاندماج قضية محورية في الوجود الإسلامي في أوروبا منذ زمن بعيد ولكنها لم تتخذ هذا الوهج الإعلامي ، والبعد السياسي إلا بعد أحـداث سبتمبر ثم أحداث مدريد ، وأنفاق لندن ، وبرزت معها العديد من المشكلات الخطيرة خاصة الخطر الفكري ، الذي يتجاوز الانبهار بالحضارة الغربية إلى خطر عَقَدي يطال أجيال الدعاة ، وربما العلماء .

ولا شك أن القضية الأساس التي لا بد أن تشغل بالنا ، هي مستقبل الوجود الإسلامي في الغرب ، فغياب الدراسات الإسلامية المتكاملة بشأنها ، وسيطرة الخطاب الانهزامي الاستجدائي على الخطاب الإسلامي حول هذه القضية ، جعل المسلمين في الغرب تحت رحى ثَالُوث مُدَمِّر ، يتمثل في خطر الاندماج والذوبان ، وخطر الانعزال والانغلاق ، وخطر استعداء الغرب والبدء في الصدام من الداخل ، ودون إذن الأمة .

لذا لا بد من وضع رؤية استراتيجية للإسلام والمسلمين في الغرب تراعي عدم وجود خلافة إسلامية ، ووجود خلل كبير في ميزان تكافُؤ القُوى بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ، إضافة إلى حقيقة أن هناك صعودًا ونموًّا إسلاميًّا في توازٍٍ مع هبوطٍِ وانحسار غربي ، الأمر الذي لو استمر فإنه يؤذن بسيطرة إسلامية على تلك القارة بصورة سِلْمِيَّة .