التداول الإعرابي للنص القرآني : أمثلة جزئية و موجهات كلية

الملخص AR

ينتظم هذا المسعى في ركب البحث التداولي، متخذا من إعراب النص القرآني مضمارا تطبيقيا، و هو يصدر عن رأي مفاده ؛ أن نظرة فاحصة في المنجز اللساني تكشف عن نسيج مؤتلف من الرؤى بين الموروث اللغوي القديم و الاتجاه التداولي الحديث، و استظهار تلكم النظرات تفضي إلى الولوج في اتجاهات البحث اللساني، و الوقوف إلى منطلقاته، و عدم التقييد بالدراسات التقليدية التي تعارف عليها الدارسون. و نكشف-في ضوء المهاد المتقدم-عن بغية عمادها المكين أن التداول الوظيفي في هذه المدونة يتمثل بالشروط و القواعد اللازمة للملائمة بين أفعال القول و مقتضيات المواقف الخاصة به، أي : العلاقة بين النص و السياق ، و يلاحظ باستمرار العلائق الوثيقة بين التداولية و الدلالة و النحو، إذ يجمع بينهما مستوى السياق المباشر، مما يجعل التداولية قاسما مشتركا بين أبنية الاتصال النحوية و الدلالية و البلاغية. و قد استطاع عدد من النحاة الأوائل أن يدركوا المرتكزات-آنفة الذكر- بالوقوف على أهمية الإعراب في العملية الإبلاغية، و من ذلك باب الخطاب الذي يقع به الإفهام من القائل، و معرفة القصد من أغراض المتكلمين.

و ليس صنيع النحاة في توجيه لفظة (و المقيمين) من قوله تعالى : (لكن الراسخون في العلم منهم و المؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك و ما أنزل من قبلك و المقيمين الصلاة و المؤتون الزكاة و المؤمنون بالله و اليوم الآخر أولئك سنؤتيهم أجرا عظيما) (النساء 162) ببعيد عن المنحنى التداولي، و ذلك بالنصب على التعظيم و المدح ؛ لأن المقام الإنشائي مقام ثناء على المؤمنين، فأسفر الرأي عن صياغة المعنى النحوي، و تحديده تبعا لمكنون القرائن التداولية المختزلة في النص الكريم، و من ثم معرفة ما صحبت به الأنماط الخطابة في ضوء السياقات و المقامات الواردة.