فن السيرة الذاتية بين أبي حامد الغزالي ومصطفى محمود: دراسة وظيفية

Abstract AR

يعد الجانب الوظيفي هو الأظهر عند دراسة السيرة الذاتية؛ إذ يقدم هذا الفن خبرات متراكمة تتيح للمتلقين الانتفاع بها في طريق حياتهم، و تأتي سيرة الإمام "الغزالي" مثالا على النموذج المعرفي الإسلامي الذي يقوم على البحث و الاستقصاء وصولا إلى الاهتداء للصراط المستقيم، و نلمح وجوه التشابه في هذه التجربة عند الدكتور "مصطفي محمود" من حيث التقلب بين شتى المذاهب و المعتقدات و مجاهدة النفس، كما تتشابه السيرتان من حيث الأسلوب الفني و تقرير الوظيفة، و الصيغة التعبيرية، و الافتتاح الحكائي، و الدافع، و البوح، و استبطان النفس، و اللغة، و طريق الوصول.

وقد أثمرت الدراسة عن وجود مجموعة من الوظائف تكمن في هذا الفن منها: وظيفة التطهير، ووظيفة استبطان النفس و محاورتها، ووظيفة النقد للمذاهب الخاطئة و توجيهها، ووظيفة حب الاستطلاع، ووظيفة التواصل الفكري، ووظيفة المراقبة الاجتماعية، ووظيفة الإمتاع و المؤانسة، ووظيفة القص، كما أفادت هذه الدراسة في بيان أن الأدب أكثر فلسفة من التاريخ، وأن السيرة الذاتية العربية هي موطن العبرة و الإفادة دون اللجوء إلى الإسفاف الجنسي أو الأخلاقي، وأن الشخصية الإسلامية ذات روح إيجابية تبث الأمل و التفاؤل في شتى جوانب الحياة، وأن الكاتبين قد اتخذا اللغة الأدبية زيا لسيرتهما، مع أن الموضوع الذي عنيا به موضوع جدلي فلسفي إلا أنهما ببراعة حسهما الأدبي استطاعا أن يخففا من الحمولة الفكرية للموضوع، وأن يجعلانا نواصل القراءة دون إرهاق عقلي أو ملل نفسي، بل و نتشارك معهما في الانفعال العاطفي و التجربة النفسية و المتعة الأدبية، وذلك عبر سلاسة السرد الحكائي، و حسن العرض للأحداث، و الألفاظ الموجزة المكتنزة، و العبارات المتزاوجة، و الأسلوب القائم على الازدواج و السجعة الرشيقة غير المتكلفة، كما جاءت سيرة الكاتبين نوعا من الرغبة في اتخاذ موقف ذاتي من الحياة، فقد وصلا إلى مذهب خاص بهما ارتاحت له نفسهما بعد دراسة و بحث و استقصاء أمنا معه من الانحراف أو الزيغ، وقد جاءت سيرتهما وثيقة فكرية تدل على ما اكتنز عقلهما من أنواع العلوم و المعارف، وفي الوقت ذاته تثبت ما بذلا من جهد في سبيل الوصول إلى ما اطمأنا له.