دفاع عن الوحي المحمدي : قصة الغرانيق بين العقل و النقل

Abstract AR

الأنبياء هم الصفوة من البشر، و الوحي الإلهي إليهم هو قمة المعرفة الصحيحة، و وصول هذا الوحي إلى الأنبياء – عليهم الصلاة و السلام – محوط بضمان إلهي يمنع التزيد على النص، و يحول دون التدخل الشيطاني في التبليغ.

و قد ذكر بعض المفسرين و أهل السير – قصة الغرانيق {الغرانيق مراد بها الأصنام، و هي في الأصل نوع الطير طويل العنق يشبه به في الجمال}.

و ساقوا لها روايات متعددة، و هي إن أخذت على ظاهرها تكون قادحة في مبدأ الضمان الإلهي للوحي، و قد تلقى ظلالا على ضرورة ثبوت العصمة للأنبياء في مجال التبليغ عن الله تعالى.

و ملخص الروايات أن النبي صلى الله عليه و سلم جلس في ناد من أندية قريش فنزل عليه قوله تعالى ﴿و النجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم و ما غوى، و ما ينطق عن الهوى﴾.

فقرأها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى بلغ قوله تعالى ﴿أفرأيتم اللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى﴾ فألقى عليه الشيطان كلمتين هما : تلك الغرانيق العلا و إن شفاعتهم لترجى.

فسمعها المشركون و رضوا منه هذا التعظيم لأصنامهم.

و في مساء اليوم جاء جبريل عليه السلام و نبه الرسول صلى الله عليه و سلم إلى إلقاء الشيطان، فما زال مغموماً مهموماً حتى نزلت آية في سورة الحج ﴿و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم﴾.

و قد أجهد المفسرون أنفسهم في تأويل هذه الروايات، إذ وضعوها في مقابلة العصمة للرسول على مستوى واحد، و أخذوا يوفقون بينهما..

و كل ما قيل في مجال التوفيق لا يغنى من الحق شيئا، فالتسليم بها فيه قدح للنبوة و إفتراء على الرسول.

وقد وقف الباحث مع المحققين من العلماء و رفض هذه الروايات من أصلها لأنها لا ترقى إلى درجة معارضة المقطوع به، و هي قائمة على التلفيق في الإسناد ذو الكذب في المتن.

و الآية الكريمة في سورة الحج التي جعلوا سبب نزولها قصة الغرانيق، لها من السياق الموضوعي و المعنى الواضح ما يباعد بينها و بين هذه القصة المزعومة.

و أخيرا نبه الباحث المسلمين إلى ضرورة الفهم الصافي في دين الله عز و جل بعيداً عن إنتحال المبطلين و تحريف الغالين.