رؤية في مكانة الرجز عند القدماء و المعاصرين

Abstract AR

يهدف هذا البحث إلى استجلاء موقف القدماء من الرجز، و هو موقف يقوم على الانتقاص من حقه و الإزراء به-و بخاصة أراجيز العصر الجاهلي-وقد كان لهذا الموقف نتائج سيئة، فقد ضاع قدر أكبر من الشعر، و لم يصل إلينا إلا اليسير.

و يختلف الحال فيما يتعلق بالمعاصرين، فقد راحوا يكبرون الرجز و يجلونه.

و عندما فكر الشعراء المعاصرون في أن يغيروا من مجرى الشعر القديم و يردوه إلى مجرى جديد، تمثل في «شعر التفعيلة» وجدنا الرجز يتصدر الشعر الجديد بعد الكامل، و كأنما قدر للرجز أن يكون أولا في شعرنا القديم، و أولا في شعرنا الجديد.

و دأب الشعراء يعكفون على تفعيلة «مستفعلن» الرجزية، يخرجون منها أنغاما متنوعة، ظن كثير من النقاد المحدثين أنها لم تكن موجودة البتة في الرجز القديم، فراحوا يتهمون الشاعر المعاصر الذي يكتب شعر التفعيلة بالخروج على العروض.

و بحكم سنة التطور وجدنا الشاعر المعاصر يبتكر طريقة لكتابة شعره-يظن أنها جديدة كل الجدة-تقوم على كتابته وفقا للدفقات الشعورية عنده، و استلزم ذلك أن تطول التفعيلات أو تقصر تبعا لذلك الانفعال.

و البحث يكشف أراجيز تمثل هذه الظاهرة تمثيلا قويا.

و راح شاعر التفعيلة ينوع في أضربه و قوافيه، و يستخدم في شعره الرجزي تنويعات عروضية، قبلها بعض النقاد لكثرتها-على مضض-في الشعر الجديد.

و رفضها آخرون لكونها خروجا سافرا على العروض الخليلي.

و البحث يكشف عن أراجيز قديمة، يبدو أن العروضيين رأوها فأعرضوا عنها جريا وراء الرأي الذي يقول بعدم شعرية الرجز-وبخاصة المشطور و المنهك منه-أو أنهم لم يروها و بالتالي جاء استقراؤهم العروضي ناقصا بعض الشيء.

و البحث يركز على هذا الضرب من الرجز الذي استثنى لعدم شرعيته، و يناقش العروضيين في ضوء هذه الأراجيز التي تحمل شواهد واضحة ؛ تدل على تحكم واضح من قبلهم و هم يجيزون صيغا لتفعلية ترد في أحد البحور، و يمنعون تلك الصيغ أن تجري على التفعيلية نفسها حينما ترد في بحر آخر و في الوضع نفسه.

و يهدي البحث إلى أن الشاعر المعاصر في انطلاقته الشعرية المتحررة، كان موصولا بالشاعر القديم، و في كل ما نوع و لون في تفاعيله و أضربه لم يكن بعيدا عنه.

و بهذا يكون الشاعر المعاصر الذي يكتب شعر التفعيلة قد اهتدى بفطرته السليمة من جهة و اطلاعه على التراث من جهة أخرى إلى ما هو موجود في الرجز القديم الذي استبعده العروضيون، فبدأ يطبقه في شعره، مستفيدا من تلوينات القدماء، و تنويعاتهم الرجزية.