قراءة نقدية في رواية (أولاد حارتنا)‎ لنجيب محفوظ

Abstract AR

النقد محاورة صامتة مع شريك متمرد، هو النص الذي بمجرد أن تقع عيون الناظر عليه و يتبصر فيه تبدأ التداعيات الشخصية و الموضوعية تنكشف، و بعد ذلك تنفتح الأفاق الأخرى وتنثال التقابلات و الصور الذهنية و مخزون الذاكرة في عقل القارئ أو الناقد و وجدانهما في عملية عسيرة يتفكك بها النص الذي اتعب مؤلفه حتى تماسك في هذا الشكل، و يعود للتشتت عند الناقد الحاذق الذي يحاور كلماته لمعرفة المعاني وتراكيبه لإدراك المضمونات و المصاديق، و يحاور في مخاض أخير النص ككل رمزا أكبرا مخلقا يحيل على جانب واسع من الحياة الشرط الإنساني.

فائدة النقد متممة لفائدة الأدب فكلاهما نتاج قلم بارع، لكن القارئين ذوي المستويات المختلفة في تلقي الأدب، يظهر شغفهم بالأدب دالا على مستواهم، عندما لا يرتوي عطشهم من قراءة النص بل يطلعون على ما قد أثاره ذلك النص عند الناقد الخبير ؛ لأن الأخير قد مارس في تشريح الأدب بأدوات تختلف عن أدوات القارئ ؛ فالناقد قارئ و أديب، لكنه أديب وصفي لا إنشائي، مع ذلك تنال أعمال الناقد قبولا إذا طرحها بأسلوب جيد وكسب القارئ إلى صفه.

بين مدة و أخرى يظهر عمل أدبي ينال من الشهرة بسبب ما يناله أولا من الجدل والنقاش حوله، وما يجعله هدفا لذلك هو خروجه عن المألوف، و هذا المألوف قد يكون أساليب أو أفكارا، و تحت تلك الأساليب والأفكار تنطوي أمثلة وأ نماط درج عليها الكتاب والأدباء و تعارفوا عليها، ثم يأتي دور التجديد، أو سمه الابتكار أو حب الاكتشاف بعد التمرد، فقد يكون المضمون معتادا و لكنه يتوزع في ثنايا أسلوب جديد، أو يحدث العكس، عندما تولد فكرة محدثة غريبة في ذهن المؤلف، فيسرع إلى تفصيلها و عرضها في أسلوب و قالب ليس بجديد، و بنظرة تحاول أن تستقصي مقدار الفرق بين جدة الأسلوب وجدة الفكرة، نرى أن الأفكار و المضامين أكثر من الأساليب والأنماط في مستوى التنوع و الغرابة.

رواية (أولاد حارتنا) للكاتب المصري الراحل نجيب محفوظ، أقرب إلى القسم الثاني و إن حاولت أن تبرز في قسم ينفرد ثالثا كما سيتبين، و هي رواية أثارت النقاشات و الإعتراضات المتنامية هنا و هناك، و سأحاول أن أعرض لها بالنقد و التحليل.